هذين البابين خبر في الأصل ، وحقّ الخبر الفصل قبل دخول الناسخ ، فيترجّح بعده.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وقدّم الأخصّ في اتّصال |
|
وقدّمن ما شئت في انفصال |
الأخصّ هو الأعرف ، وضمير المتكلم أخصّ من ضمير المخاطب والغائب ، وضمير المخاطب أخصّ من ضمير الغائب ، فإذا أريد اتّصال الضمير الثّاني قدّم الأخصّ ، لأنّه لا يتوصّل إلى اتّصاله إلا بتقديم الأخصّ ، وإلى ذلك أشار بقوله :
وقدّم الأخصّ في اتّصال
وإن أردت انفصاله قدّم ما شئت من الأخصّ وغيره ، إلا أنّه إذا تقدّم غير الأخصّ وجب انفصال الثّاني ، وإلى التخيير أشار بقوله :
وقدّمن ما شئت في انفصال
وقد اجتمع الأمران في قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله ملككم إيّاهم ، ولو شاء ملّكهم
__________________
اتصاله أولى ، لأنه ثاني منصوبين بفعل ، فكان كالثاني في قوله تعالى : (أَنُلْزِمُكُمُوها.) انتهى. وقد خالف ابن مالك بذلك سيبويه والأكثرين الذاهبين إلى اختيار الانفصال. ووجه اختيار الانفصال : أن الضمير في البابين خبر في الأصل ، وحق الخبر الانفصال ، وكلاهما مسموع ، فمن الأول قوله :
لئن كان إيّاه لقد حال بعدنا |
|
عن العهد والإنسان قد يتغيّر |
ومن الثاني قوله :
أخي حسبتك إيّاه وقد ملئت |
|
أرجاء صدرك بالأضغان والإحن |
وقد وافق ابن مالك في شرح التسهيل سيبويه في اختيار الانفصال في باب : «خلتنيه» ، فقال : «وإذا كان الضمير كـ «هاء» «خلتكه» في كونه ثاني مفعولين أحد أفعال القلوب الانفصال به أولى ، لأنه خبر مبتدأ في الأصل ، وقد حجزه عن الفعل منصوب آخر ، بخلاف هاء «كنته» فإنه خبر مبتدأ في الأصل ، ولكنه شبيه بـ «هاء» «ضربته» في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع ، والمرفوع كجزء من الفعل ، فكأن الفعل مباشر له ، فكان مقتضى هذا ألا ينفصل ، كما لا ينفصل هاء «ضربته» إلا أنه أجيز الانفصال مرجوحا لا راجحا خلافا لسيبويه ومن تبعه». انتهى.
انظر : شرح المكودي : ١ / ٥١ ، شرح الأشموني : ١ / ١١٩ ، الكتاب : ١ / ٢١ ، التسهيل : ٢٧ ، شرح التسهيل : ١ / ١٧١ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٢٣٢ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ١٠٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، شرح المرادي : ١ / ١٦٩ ، تاج علوم الأدب : ١ / ١٦٩.