يدلّ على الحذف دليل ، وهذا هو الحذف على جهة الاقتصار (١) لأنّهما في الأصل مبتدأ وخبر.
وعن الأكثرين (٢) : إجازة حذفهما لمجيء ذلك في أفعال العلم ، كقوله تعالى : (فَهُوَ يَرى) [النجم : ٣٥] ، أي : يعلم ما نعتقده حقا ، و (٣) في أفعال الظّن نحو (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) [الفتح : ١٢].
وعن الأعلم / (٤) : يجوز في أفعال الظّنّ دون أفعال العلم (٥).
وفهم من ذلك أنّه يجوز حذفهما أو حذف أحدهما إذا دلّ على الحذف دليل ، وهو الحذف على جهة الاختصار.
فمن حذفهما معا قوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٦٢] ، أي : تزعمونهم شركائي ، وهذا مجمع عليه (٦).
ومن حذف الأوّل : (وَلا يَحْسَبَنَ)(٧) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ (بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ
__________________
(١) الحذف لدليل يسمى : اختصارا ، ولغير دليل يسمى : اقتصارا. انظر الهمع : ٢ / ٢٢٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٤ ـ ٣٥ ، النكت الحسان : ٩١.
(٢) منهم ابن السراج والسيرافي ، وصححه ابن عصفور لوروده. انظر الأصول لابن السراج : ١ / ١٨١ ، الهمع : ٢ / ٢٢٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٥ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٨٣.
(٣) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التصريح : ١ / ٢٥٩.
(٤) هو يوسف بن سليمان بن عيسى ، الشنتمري ، الأندلسي ، أبو الحجاج ، كان مشقوق الشفة العليا فاشتهر بالأعلم ، عالم بالأدب والنحو واللغة ، ولد في شنتمرية الغرب سنة ٤١٠ ه ، ورحل إلى قرطبة ، وكف بصره في آخر عمره ، ومات في إشبيلية سنة ٤٧٦ ه ، من مؤلفاته :
شرح جمل الزجاجي ، النكت على الكتاب ، شرح شواهد الكتاب ، شرح الحماسة لأبي تمام ، وغيرها.
انظر ترجمته في معجم الأدباء : ٢٠ / ٦٠ ، الأعلام : ٨ / ٢٣٣ ، مرآة الجنان : ٣ / ١٥٩ ، شذرات الذهب : ٣ / ٤٠٣ ، معجم المؤلفين : ١٣ / ٣٠٢.
(٥) واستدل بحصول الفائدة في الأول دون الثاني ، والإنسان قد يخلو من الظن ، يفيد قوله «ظننت» أنه وقع منه ظن ، ولا يخلو من علم ، إذ له أشياء يعلمها ضرورة كعلمه أن الاثنين أكثر من الواحد فلم يفد قوله : «علمت شيئا». ورد : بأنه يفيد وقوع علم ما لم يكن يعلم.
وذهب أبو العلا إدريس إلى منع الحذف قياسا ، والجواز في بعضها سماعا ، فلا يتعدى الحذف في «ظننت وخلت وحسبت» لوروده فيها.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٠ ، الهمع : ٢ / ٢٢٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٠ ، الأشموني : ٢ / ٣٥.
(٦) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٥.
(٧) في الأصل : تحسبن. انظر التصريح : ١ / ٢٦٠.