فالعامل في الحال في هذين المثالين ونحوهما ـ الظّرف والمجرور ، لنيابتهما مناب «استقرّ ، أو مستقرّ» ، والحال في هذا المثال الّذي ذكره مؤكّدة ، لأنّ التّقدير : سعيد استقرّ في هجر مستقرا.
وإنّما فصل هذه المسألة من تلك ، وما ذكر بعدها (١) ـ وإن كانت مثلها في تضمّن معنى الفعل دون حروفه ـ لأنّه قد سمع فيها (٢) تقديم الحال على عاملها ، ولذلك أتى بالحال في المثال الّذي ذكره ، وهو «مستقرا» مقدّما على عامله ، وهو «في هجر» ، ومثله قوله عزوجل في قراءة من قرأ : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] بنصب «مطويّات» (٣).
وممّن أجاز تقديم الحال في مثل هذا الأخفش (٤).
ثمّ قال رحمهالله تعالى / :
ونحو زيد مفردا أنفع من |
|
عمرو معانا مستجاز لن يهن |
قد تقدّم أنّ أفعل التّفضيل غير شبيه بالفعل ، لكونه غير قابل للفرعيّة (٥) ، فاستحقّ بذلك أن لا يتقدّم عليه الحال ، لكن له مزيّة على العوامل الجامدة لوجود لفظ الفعل فيه ، فاستقرّ توسيطه بين حالين ، كالمثال المذكور.
__________________
(١) في الأصل : بعده. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.
(٢) في الأصل : فيه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.
(٣) وهي قراءة عيسى بن عمر والحسن البصري على الحال أو على القطع ، وقال الفراء : والحال أجود ، ويكون قوله «بيمينه» خبر «السموات». وقيل : الخبر محذوف ، أي : والسموات قبضته. وقرأ الباقون بالرفع ، وعليه تكون «مطويات» هي الخبر.
انظر القراءات الشاذة : ١٣١ ، إعراب النحاس : ٤ / ٢٢ ، إملاء ما من به الرحمن : ٢ / ٢١٦ ، معاني الفراء : ٢ / ٤٢٥ ، شرح المكودي : ٢ / ١٩١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٥٣ ، الهمع : ٤ / ٣٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٣٥.
(٤) في أحد قوليه ، والفراء أيضا ، وذلك بشرط تقدم المبتدأ على الحال ، نحو «زيد قائما في الدار» ، فإن تأخر المبتدأ وتقدم الخبر جاز توسط الحال بينهما بلا خلاف ، نحو «في الدار عندك زيد» ، و «في الدار قائما زيد». وقيل بالجواز بقوة إن كانت الحال ظرفا أو حرف جر ، ويضعف إن كانت غيرهما ، وعليه ابن مالك في التسهيل. وقيل : بالجواز إن كانت من مضمر ، نحو «أنت قائما في الدار» وعليه الكوفيون.
انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨٥ ، شرح الرضي : ١ / ٢٠٤ ، الهمع : ٤ / ٣٣ ، شرح المرادي : ٢ / ١٥٧ ، التسهيل : ١١١ ، شرح الهواري (١٠٠ / ب) ، شرح الأشموني : ٢ / ١٨١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٥٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٣٥ ، معاني الفراء : ٢ / ٤٢٥.
(٥) أي : للعلامة الفرعية. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٣.