بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي حفظ لنا لغتنا الغراء ، بروائعها ، ورقيها ، وسمو معانيها ، فأنزل بها قرآنا عربيا بيّنا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، والصلاة والسّلام على من أوتي جوامع الكلم ، وبدائع الحكم ، وفصل الخطاب ، سيدنا محمد خير ولد عدنان ، وعلى آله وصحبه الهادين المهديين ، ومن تبعهم بإحسان وفضل إلى يوم الدين أما بعد :
فمن المعلوم عند كل مطلع أن المحفّز الأقوى إلى وضع علم النحو هو الحرص الشديد على المحافظة على لغة القرآن الكريم ، خوفا من أن يتسرب إليها لحن ، أو تنتابها عوارض التحريف ، لذا تجد علماء المسلمين منذ القرن الأول للهجرة قد عكفوا على وضع أصوله ، وتقعيد قواعده ، وترتيب مسائله ، فجمعوا غرائبه ، وصانوا فرائده ، حتى كمل بنيانه ، وعلا صرحه ، وأوفى على الغاية التي ليس وراءها نهاية لمستزيد ولا مرتقى لذي همة. وقد حدا بي مقام البحث والتنقيب في تراث أمتنا العريق إلى اختيار هذا الكتاب للعمل على دراسته وتحقيقه ، حيث إنه ثمرة جهد يانعة من بديع فكر وثقافة إمامين في علوم ثرة ، هما : الإمام ابن مالك الأندلسي ، ذلك البحر المعرفي الزخار ، الذي غاص في أعماق العربية ، واستخلص منها دررها ونفائسها ، ليبدع في صنعتها ، ويتألف في نظم عقدها ، فكان منها الخلاصة المشهورة بـ «الألفية» ، التي اختصرها من منظومته الطويلة «الكافية الشافية» ، والتي تقع فيما يقرب من ثلاثة آلاف بيت ، فأودع فيها جلّ قواعد العربية ، التي كانت غاية في الإتقان ، ورائعة من روائع الزمان ، فتلقفها علماء الأمة في عصره ، وإلى عصرنا الحاضر ، بالشرح والبحث والتحليل ، سبرا لأغوارها ، وإظهارا لبديع رونقها.
والإمام الثاني هو ابن طولون الدمشقي الذي لم يأل جهدا في شرح غوامض هذه الألفية ، والإفصاح عن مجملها ، فاستخلص أكثر مادته العلمية الثرية من عدة شروح مشهورة لها ، فجمع النقول ، وسرد الأقوال ، وأخذ وردّ ، ورجح وناقش بأسلوب عذب ، وعرض رائع ، وعبارة شيقه ، فكان بحق دوحة غناء يسرّ بها كل باحث عبر حقب الزمان الطويلة.
وقد التزمت في ضبط نص الكتاب وتصحيحه وتحقيق مسائله والتعليق عليه بما يأتي :
١ ـ تحرير النص وفق القواعد الإملائية المعاصرة وضبطه بالشكل.
٢ ـ تصحيح ما وقع في الكتاب من تحريف أو خطأ أو سقط ، ونحو ذلك مستعينا في