__________________
ـ فالظاهر : أنها المخففة ، وشذّ عدم الفصل ، ويحتمل أن تكون الناصبة شذّ وقوعها بعد العلم وشذّ إهمالها ، ففى الأول شذوذ واحد وهو عدم الفصل ، وفى الثانى شذوذان : وقوع الناصبة بعد العلم ، وإهمالها حملا على «ما» أختها.
وجاء هنا على الواجب. عند بعضهم. أو الأحسن. عند آخرين. وهو الفصل بين «أن» الخفيفة وبين خبرها إذا كان جملة فعلية منصرفة غير دعاء ، والفاصل : إمّا نفى كهذه الآية ، وإمّا حرف تنفيس كقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) ، ومثله : «علمت أن سوف تقوم» وإمّا «قد» كقوله تعالى : (نَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) وإمّا «لو». وهى غريبة. كقوله : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) ، (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) وتحرّزت بالفعلية من الاسمية ؛ فإنها لا تحتاج إلى فاصل ، كقوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وكقوله :
فى فتية كسيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل |
وبالمتصرفة من غير المتصرفة فإنه لا تحتاج إلى فاصل ، كقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ، وأن عسى أن يكون ، وبغير دعاء من الواقعة دعاء كقوله تعالى : (أن غضب الله) فى قراءة نافع.
ومن نصب «تكون» فـ «أن» عنده هى : الناصبة للمضارع دخلت على فعل منفى بـ «لا» ، و «لا» لا يمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها من ناصب ولا جازم ولا جار ، فالناصب كهذه الآية ، والجازم كقوله تعالى : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ) ، (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) ، والجارّ نحو : «جئت بلا زاد».
و «حسب» هنا على بابها من الظن ، فالناصبة لا تقع بعد علم ، كما أنّ المخففة لا تقع بعد غيره ، وقد شذّ وقوع الناصبة بعد يقين وهو نصّ فيه كقوله :
نرضى عن النّاس أنّ الناس قد علموا |
|
أن لا يدانينا من خلقه بشر |
وليس لقائل أن يقول : العلم هنا بمعنى الظن ؛ إذ لا ضرورة تدعو إليه ، والأكثر بعد أفعال الشكّ النصب بـ «أن» ؛ ولذلك أجمع على النصب فى قوله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) وأمّا قوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) فالجمهور على الرفع ؛ لأن الرؤية تقع على العلم. والحاصل : أنه متى وقعت بعد علم وجب أن تكون المخففة ، وإذا وقعت بعد ما ليس بعلم ولا شك وجب أن تكون الناصبة ، وإن وقعت بعد فعل يحتمل اليقين والشك جاز فيها وجهان باعتبارين : إن جعلناه يقينا جعلناها المخففة ورفعنا ما بعدها ، وإن جعلناه شكّا جعلناها الناصبة ونصبنا ما بعدها ، والآية الكريمة من هذا الباب ، وكذلك قوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) ، وقوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) ، لكن لم يقرأ فى الأولى إلا بالرفع ، ولا فى الثانية إلا بالنصب ؛ لأن القراءة سنة متبعة. وهذا تحرير العبارة فيها ، وإنما قلت ذلك ؛ لأن بعضهم يقول : يجوز فيها بعد أفعال الشك وجهان ، فيوهم هذا أنه يجوز فيها أن تكون المخففة والفعل قبلها باق على معناه من الشك ، لكن يريد ما ذكرته لك من الصلاحية اللفظية بالاعتبارين المتقدمين ؛ ولهذا قال الزمخشرى : «فإن قلت : كيف دخل فعل الحسبان على «أن» التى هى للتحقيق؟ قلت : نزّل حسبانهم ؛ لقوته فى صدورهم ـ منزلة العلم» والسبب ـ