كذلك يختلف باختلاف شدّة الاعتناء والاهتمام بالتحرّز عن المتعلّق وضعفه.
والحاصل : أنّه إذا كان مستند الحكم نفي الحرج ، يدور الحكم مدار عنوان الحرج ، وليس مطلق الخوف في الموارد المتقدّمة ملزوما لتحقّق ذلك العنوان.
لكن لا يبعد أن يقال : إنّه يستفاد من تتبّع فتاوى الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة في الفروع المتقدّمة : أنّ الخوف على المال أو النفس أو غيرهما من الأمور المتقدّمة من حيث هو بنفسه عنوان لموضوع الحكم ، ولا عبرة بتفسير من فسّره بالظنّ ، فإنّه راجع إلى اجتهاده ، وإلّا فظاهرهم الاتّفاق على جواز التيمّم عند الخوف على المذكورات ، لكنّ الجزم بذلك مشكل ، فالأحوط بل الأقوى هو الاقتصار على مواقع الحرج الفعلي.
نعم ، لو ظنّ ضررا يعتدّ به في ماله أو نفسه ، جاز له التيمّم وإن لم يشقّ عليه تحمّله ؛ لقاعدة نفي الضرر ، فإنّ الظاهر كون مظنون الضرر لدى العقلاء بحكم مقطوعة ، والله العالم.
الثالث : أنّ التيمّم في الموارد التي ثبت جوازه بدليل نفي الحرج رخصة لا عزيمة ، فلو تحمّل المكلّف المشقّة الشديدة الرافعة للتكليف وأتى بالطهارة المائيّة ، صحّت طهارته ، كما تقدّمت الإشارة إليه في حكم الاغتسال لدى البرد الشديد ؛ فإنّ أدلّة نفي الحرج ـ لأجل ورودها في مقام الامتنان وبيان توسعة الدين ـ لا تصلح دليلا إلّا لنفي الوجوب لا لرفع الجواز.
إن قلت : إذا انتفى وجوب الطهارة في موارد الحرج ، فلا يبقى جوازها حتى تصحّ عبادة ، فإنّ الجنس يذهب بذهاب فصله.
وبعبارة أخرى : أدلّة نفي الحرج حاكمة على العمومات المثبتة للتكاليف ،