إرادة متقدّمة على الفعل ، سواء كانت الإرادة التفصيليّة الباعثة على الفعل مقارنة لأوّل جزء منه أو مفصولة عنه ولو قبل إيجاد مقدّماته ، لكن لا يتحقّق الانبعاث عن تلك الإرادة السابقة المنبعثة عن قصور الفعل وغايته ـ التي هي عبارة عن حصول الامتثال والتقرّب به ـ إلّا إذا بقيت تلك الإرادة في النفس بنحو من الإجمال بأن لم يرتدع ولم يذهل عنها بالمرّة حتّى يعقل تأثيرها في إيجاد الفعل واتّصافه بكونه منويّا ، فالمعتبر حين الفعل إنّما هو وجود الداعي إليه ، الذي هو أعمّ من الإرادة التفصيليّة والإجماليّة ، ولذا شاع في ألسنة المتأخّرين تفسير النيّة ـ المعتبرة في صحّة العبادة ـ بالداعي.
لكنّ الظاهر أنّه مسامحة ، وأنّ النيّة اسم للإرادة التفصيليّة ، لكن لا يشترط في اتّصاف العمل بكونه منويّا اقترانه بها (و) إنّما المعتبر (استدامة حكمها) أي باعثيّتها على الفعل بحيث يكون الفعل بجميع أجزائه منبعثا عنها.
وكيف كان فلا يعتبر في صحّة العبادة أزيد من ذلك. فإن قلنا بأنّ النيّة عبارة عن الإرادة التفصيليّة ، فلا تشترط مقارنتها للفعل. وإن قلنا بأنّها أعمّ منها ومن الإرادة الإجماليّة الداعية إلى الفعل ، فتشترط مقارنتها بل استدامتها إلى آخر العمل.
وكيف كان فالذي يعتبر في صحّة التيمّم ـ كأخويه ـ إنّما هو إيجاده بداعي القربة وامتثال الأمر المتعلّق به المتولّد من الأمر بغاياته ، ولا يعتبر فيه أزيد من ذلك من قصد الوجه والاستباحة وغيرها ، كما عرفت تحقيقه في مبحث الوضوء ، لكن لمّا كان التيمّم مختلفا بالنوع ؛ لوقوعه بدلا من الوضوء وغسل الجنابة والحيض وغيرها من الأغسال المختلفة بالنوع من غير أن يجتزئ بما يقع بدلا من بعض عمّا يقع بدلا من آخر إلّا أن يكون مبدله كذلك ـ كما ستعرفه ـ وجب تميّز