والحاصل : أنّ كون الغسل مطهّرا ليس أمرا تعبّديّا ، وإنّما الأمر التعبّدي هو الخصوصيّات التي ثبت اعتبارها في الشريعة.
وقد أشرنا آنفا إلى أنّ غسل الحنطة والشعير ونحو هما لدى العرف ليس إلّا على النحو المزبور ، وغسالتها التي يجب التنزّه عنها على تقدير استقذارها هي الماء المستولي عليها الذي تنتقل قذارة الأجزاء الظاهرة والباطنة إليها.
وأمّا الأجزاء المائيّة الراسخة في باطنها التي هي واسطة في النقل فهي تابعة للمغسول في الطهارة والنجاسة ، كالمتخلّف في الثوب بعد عصره ، بل تبعيّة هذه الأجزاء للمغسول واستهلاكها بنظر العرف أشدّ من تبعيّة المتخلّف ، وقد عرفت في مبحث الغسالة أنّ الحكم بطهارة المتخلّف ليس تعبّديّا محضا ، بل هو أمر يشهد به العرف ، وتقتضيه شرعيّة مطهّريّة الغسل.
ومن هنا ظهر ضعف الاستناد للمنع ببقاء الغسالة ، لما عرفت من أنّ ما يتخلّف في الباطن لا يعتدّ به في العرف ، ولا يعدّ من الغسالة القذرة ، بل يتبع المغسول في النظافة ، فالقول بالمنع ضعيف ، كما يدلّ عليه أيضا الخبران الآتيان (١) الدالّان على جواز غسل اللّحم المطبوخ ، ومرسلة الصدوق ، الآتية (٢).
ويؤيّده أيضا أدلّة نفي الحرج والضرر ، وما دلّ على التوسعة في الدين عموما وخصوصا في التطهير الذي منّ الله تبارك وتعالى على عباده بأن وسّع عليهم أمره بأوسع ما بين السماء والأرض ، بأن جعل لهم الماء طهورا ، إلى غير ذلك من المؤيّدات.
__________________
(١) في ص ١٤٢.
(٢) في ص ١٤٥.