الدين.
ودعوى أنّ أدلة نفي الحرج ونحوها لا تنفي السراية في الفرض ، وإنّما تنفي التكليف بالاجتناب عن النجس في مواقع الحرج ، فلا مانع من الالتزام بكون ما بأيدينا نجسا معفوّا عنه ، فاسدة جدّا لا يهمّنا الإطالة في إبطالها ، فالحقّ أنّ هذه المرتبة من السراية ممّا لا يمكن الالتزام به.
ويشهد لبطلانه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ رواية أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن ، فقلت : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فقال : «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم جميع ما في الأرض؟ فما علمت فيه ميتة فلا تأكله» (١) الحديث ، فإنّه لو كانت النجاسة مسرية بالوسائط ، لكان جعل الميتة في الجبن في مكان واحد سببا عاديّا لتحريم جميع ما في الأرض ، فلم يكن وقع لاستيحاش الإمام عليهالسلام من ذلك.
الثانية (٢) : استقرار سيرة المتشرّعة خلفا عن سلف على المسامحة في الاجتناب عن ملاقيات المتنجّس في مقام العمل بحيث لو تعدّى أحد عن الطريقة المألوفة عندهم في اجتناب النجاسات ـ بأن اجتنب مثلا عن أبنية البلاد ، معلّلا بأنّ من عمّرها استعمل في تعميرها الآلات والأدوات التي لا زال يستعملها في تعمير الكنيف من غير أن يطهّرها ، أو اجتنب عن مساورة شخص ، معتذرا بأنّ هذا الشخص يساور أشخاصا لا يزالون يساورون الكفّار ويباشرون الأنجاس ـ يطعنه جميع المتشرّعة بالوسواس ، ويرونه منحرفا عن الطريقة المعروفة عندهم في
__________________
(١) المحاسن : ٤٩٥ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ٥.
(٢) أي الشبهة الثانية.