الإخوان إنّ الذي يظهر من أخبار الأئمّة الهادين التسامح في أمر الطهارات ، وإنّ الطاهر والنجس هو ما حكم الشارع بنجاسته وطهارته ، لا ما باشرته النجاسة والطهارة ، فالظاهر ليس هو الواقع في نفس الأمر ، بل ما حكم الشارع بطهارته ، وكذا النجس ، وليس له واقع سوى حكم الشارع بنجاسته ، وقد حكم الشارع بطهارة المسلمين ، فصاروا طاهرين ، إلى أن قال : وبهذا التحقيق .. إلى آخر ما سيأتي نقله في المقام إن شاء الله (١). انتهى كلام صاحب الحدائق.
ثمّ ذكر تتمّة كلام المحدّث المتقدّم ، التي أشار إليها بعيد ذلك ، وهي هذه : وبهذا التحقيق يظهر لك بطلان ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب من أنّ من تطهّر بماء نجس ، فاستمرّ الجهل به حتّى مات فصلاته باطلة ، غايته عدم المؤاخذة عليها ، لامتناع تكليف الغافل ، ولو صحّ هذا الكلام ، لوجب فساد جميع العبادات المشروطة بالطهارة ، لكثرة النجاسة في نفس الأمر (٢). انتهى.
أقول : أمّا ما حقّقه المحدّث الجزائري فممّا لا أرى له محصّلا ، فإنّ أحدا لا ينكر توقّف النجاسة الشرعيّة على التوقيف الشرعي ، لكنّ الخصم يدّعي أنّه ثبت بالإجماع وغيره من الأدلّة أنّ الشارع حكم بنجاسة كلّ ما باشرته النجاسة ، فمتى أحرز موضوعه ـ كما في الفرض ـ يجب ترتيب حكمه عليه.
وهذا المحدّث بحسب الظاهر ليس منكرا للسراية رأسا حتّى يطالب خصمه بدليلها ، ولذا جعله صاحب الحدائق موافقا لنفسه ، فاعتراضه على الخصم لا يبعد أن يكون مبنيّا على توهّم كون العلم بالنجاسة من مقوّمات ماهيّتها ، كما
__________________
(١) الحدائق الناضرة ٥ : ٢٤٥ ـ ٢٥١.
(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٢٦٣.