توهّمه صاحب الحدائق ، لكن لم يقتصر هذا المحدّث على مجرّد ذلك حيث لم ينكر على خصمه ما ادّعاه من العلم بالسبب ، بل قرّره على ذلك ، واعترف في آخر كلامه باقتضاء إطلاق سببيّة الملاقاة للتنجيس بطلان جميع العبادات ، فكأنّه زعم أنّ العلم المأخوذ في الموضوع هو العلم الحاصل من الطرق المعتبرة شرعا لا مطلقا ، فهذا النحو من التقييد ـ أي تقييد العلم بحصوله من أسباب مخصوصة ـ وإن كان نافعا في التفصّي عن الإشكال ، دون ما زعمه صاحب الحدائق من تقييد الموضوع بمطلق العلم ، لحصول مطلقه في الفرض بمقدّمات غير قابلة للإنكار ، لكنّه أوضح بطلانا وأكثر مئونة من قول صاحب الحدائق ، الذي يتوجّه عليه ـ بعد الغضّ عن بعض ما فيه ، الذي من جملته مخالفته للإجماع ، كما اعترف هو بنفسه في آخر كلامه المتقدّم (١) حيث قال : ولم أقف على من تنبّه لما ذكرناه من التحقيق ، إلى آخره ـ :
أوّلا : أنّ تقييد موضوع النجاسة بالعلم بها ـ كما يظهر من عبارته ويقتضيه استدلاله بالأخبار التي تقدّمت الإشارة إليها ـ غير معقول ، فإنّه دور صريح ، وإنّما المعقول أخذ العلم بالموضوع الخارجي ـ كالملاقاة مثلا ـ إمّا مطلقا أو إذا كان حاصلا من سبب خاصّ ـ كالمشاهدة ونحوها ـ شرطا في تأثيره ، ودخيلا في موضوعيّته للحكم الشرعي ، بأن يقول الشارع مثلا : الملاقاة المعلومة بالمشاهدة أو مطلقا توجب نجاسة الملاقي ، كما أنّ من المعقول أن يجعل العلم بالنجاسة إمّا مطلقا أو إذا كان حاصلا من سبب خاصّ شرطا شرعيّا واقعيّا لترتّب الأحكام
__________________
(١) في ص ٢٥.