وثالثا : أنّ هذا التكلّف ممّا لا يجديه في حلّ الإشكال المقتضي لوجوب التحرّز عن مساورة الناس ولزوم بطلان جلّ العبادات المشروطة بالطهور أو كلّها ، لأنّ الإشكال إنّما نشأ من فرض العلم بتحقّق النجاسة ، كما يدّعيه الخصم ، لا من شيوع الابتلاء بها في الواقع مع الجهل ، كغيره من المحرّمات التي نعلم إجمالا بابتلاء غالب المكلّفين بها ، ونحتمل كون ما نبتلي به من جملتها ، فإنّه لا يجب التجنّب عمّا نبتلي به ما لم يكن في خصوصه علم تفصيليّ أو إجماليّ بلا شبهة ، كما هو واضح.
فظهر بما ذكرنا أنّه لا يمكن التخلّص عن الإشكال بمثل هذه التوجيهات ، كما أنّه لا يمكن التفصّي عنه بإنكار حصول العلم لآحاد المكلّفين في موارد ابتلائهم ، لكونه مجازفة محضة لو لا ابتناؤه على الإغماض والمسامحة.
وقد أشرنا آنفا إلى عدم إمكان الالتزام بثبوت النجاسة واقعا في مثل هذه الموارد التي جرت السيرة على عدم التجنّب عنها ، وارتفاع التكليف عنها لمكان الحرج ، لاستلزامه مفاسد كثيرة لا يمكن الالتزام بشيء منها ، كتجويز الوضوء والغسل بالماء النجس أو مع نجاسة البدن مع التمكّن من التيمّم أو تطهير البدن وغير ذلك ممّا لا يخفى على المتأمّل.
وغاية ما يمكن أن يقال في التفصّي عن هذه الشبهة وسابقتها هو أنّ الموارد التي استقرّت فيها سيرة المتشرّعة على عدم التجنّب عن ملاقيات المتنجّس بالوسائط والمسامحة في أمرها ليست إلّا الموارد التي يكون الاجتناب عنها نوعا موجبا للحرج ، بل مؤدّيا إلى اختلال النظام ، ولا مانع من الالتزام بنفي