بالخصوص وتسليم أنّ المحرّم ليس إلّا استعمال آنية النقدين ، بدعوى صدق استعمال الآنية على الأكل والشرب فيها عند ملاحظة الفعلين على سبيل الإجمال ، إذ ليس حكم العرف بكون الأكل في الآنية استعمالا لها مبنيّا على التدقيقات العقليّة ، فعلى هذا يتّجه حرمة سائر الانتفاعات التي هي من قبيل الأكل والشرب في الآنية ممّا يعدّ بنظر العرف استعمالا لها وإن كان بالتدقيق العقليّ خارجا من موضوعه.
وقد بنى على ذلك غير واحد من متأخّري المتأخّرين ، فحكم ببطلان الوضوء فيها ولو بالاغتراف منها شيئا فشيئا بدعوى كونه استعمالا للآنية ، فيتّحد مع المحرّم ، فلا يصحّ.
خلافا لما حكي عن المشهور من حكمهم بصحّة الوضوء في الفرض ، مستدلّين عليه : بأنّ المحرّم إنّما هو أخذ الماء من الآنية ، وهو خارج من ماهيّة الوضوء (١).
وما تقدّمت الإشارة إليه من نسبة القول بعدم حرمة نفس الأكل والشرب إلى المشهور نشأ من ذلك حيث استظهر من حكمهم بصحّة الوضوء واستدلالهم عليه بأنّ المحرّم ليس إلّا أخذ الماء من الإناء الذي هو من مقدّمات وجوده : التزامهم بمثله في الأكل والشرب ، لعدم الفرق بين الأمثلة لدى التحقيق.
ولكن ظهر بما تقدّم أنّ الاستظهار في غير محلّه ، لإمكان التفصيل بين الأكل والشرب وبين الوضوء ونحوه : بالالتزام بحرمة الأولين دون غيرهما ، إلّا مع
__________________
(١) راجع جواهر الكلام ٦ : ٣٣٢.