ولا يتبادر من قوله عليهالسلام في الصحيحة : «اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء» (١) إلّا إرادة غسلة واحدة بالماء بعد تعفيره ، لا غسلتين إحداهما بالماء القراح والأخرى بالماء الذي يتحقّق في ضمنه التعفير ، فتسمية التعفير غسلا مبنيّة على تجريده عن الخصوصيّة وإرادة التنظيف منه ، فحينئذ لا مقتضي لصرف لفظ «التراب» عن ظاهره ، وحمله على إرادة الممتزج الذي يخرج بالمزج من مسمّاه ، بل مقتضى أصالة الحقيقة في لفظ «التراب» اعتبار عدم خروجه بالمزج من مسمّاه ، كما اعتبره الشهيد الثاني (٢) وغيره (٣).
وما قد يتوهّم من أنّ إرادة التنظيف بالتراب الممتزج بالماء لا مطلقه أقرب من حيث الاعتبار بالنظر إلى تسميته غسلا ، ففيه ـ بعد التسليم ـ أنّ هذا لا يصلح قرينة لحمل لفظ «التراب» على إرادة الممتزج الذي لا يصدق عليه اسم التراب.
فما نسب إلى المشهور من عدم اعتبار المزج لا يخلو عن قوّة وإن كان الأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ الجمع بين استعمال مسمّى التراب واستعمال الممتزج وإزالته بالماء على نحو غسل الرأس بطين البصرة ونحوه ، فإنّ إرادة هذا المعنى من الأمر بغسله بالتراب غير بعيدة وإن كان الأسبق إلى الذهن المعنى الأوّل ، أعني خصوص التعفير ، والله العالم.
الرابع : هل يعتبر في الغسلة الأولى استعمال خصوص التراب ، أم يجتزأ بغيره ممّا يشبهه في قالعيّة النجاسة والأجزاء اللعابيّة ، كالأشنان والسدر و
__________________
(١) تقدّم تخريجه في ص ٤٠٠ ، الهامش (٤).
(٢) مسالك الافهام ١ : ١٣٣.
(٣) كصاحب الجواهر فيها ٦ : ٣٦٢.