ولعل أفكارها هذه ساقتها إلى تصور أبيها صلىاللهعليهوآله وهو يضمها إلى صدره الرحيب ، ويحوطها بحنانه العبقري ، ويطبع على فمها الطاهر قبلاته التي اعتادتها منه ، وكانت غذاءها صباحاً ومساء.
ثم وصلت إلى حيث بلغت سلسلة الزمن فيواجهها الواقع العابس واذا بالزمان غير الزمان وها هو بيتها مشكاة النور ورمز النبوّة والاشعاعة المتألقة المحلقة بالسماء مهدد بين الفينة والفينة ، وها هو ابن عمها الرجل الثاني في دنيا الإسلام باب علم النبوّة ، ووزيرها المخلص ، وهارونها المرجى ، الذي لم يكن لينفصل ببدايته الطاهرة عن بداية النبوّة المباركة فهو ناصرها في البداية ، وأملها الكبير في النهاية ، يخسر أخيراً خلافة رسول الله صلىاللهعليهوآله وتقوض معنوياته النورية التي شهدت لها السماء والأرض جميعا ، وتسقط سوابقه الفذة عن الاعتبار ببعض المقاييس التي تمّ اصطلاحها في تلك الاحايين.
وهنا بكت بكاء شقيا ما شاء الله لها أن تبكي ، ولم يكن بكاء بمعناه الذي يظهر على الأسارير ، ويخيم على المظاهر ، بل كان لوعة الضمير ، وارتياع النفس ، وانتفاضة الحسرات في أعماق القلب ، وختمت طوافها الأليم هذا بعبرتين نضتا من مقلتيها.
ثم لم تطل وقفتها ، بل اندفعت كالشرارة الملتهبة وحولها صويحباتها حتى وصلت إلى ميدان الصراع ، فوقفت وقفتها الخالدة ، وأثارت حربها الذي استعملت فيه ما يمكن مباشرته للمرأة في الإسلام ، وكادت ثورتها البكر أن تلتهم الخلافة لولا أن عاكسها شذوذ الظرف ، وتناثرت امامها العقبات.
* * *
تلك هي الحوراء الصديقة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه