إلى غير هذه الأقوال التي تشهد على علوّ مقامه ورفعة منزلته عند أهل الحديث ، وخصوصا فيما رواه عن ابن عباس ، إذ أنّه أدركه وعاصره وروى عنه ، فضلا عن روايته عن أصحابه ، فقد قال ابن عيينة : ما أعلم أحدا أعلم بعلم ابن عباس رضي اللّٰه عنهما من عمرو بن دينار ، سمع من ابن عباس ، وسمع من أصحابه (١).
وقال عمرو بن دينار نفسه : جالست جابرا وابن عباس وابن عمر (٢).
والحاصل : فإنّه مجمع على الاحتجاج به وخاصّة فيما يرويه عن ابن عباس.
وأمّا عكرمة
فهو المفسّر المشهور ، ـ أحد أوعية العلم حسب تعبير الذهبي ـ احتج به الجماعة وغير الجماعة ، إلّا أنّ مسلما قد أخرج له مقرونا بغيره (٣) ، لكنه رجع فاحتجّ به فيما بعد ـ على ما سيأتي توضيحه ـ وقد جرح البعض عكرمة ، ودافع عنه آخرون حيث صنّفوا كتبا في الذبّ عنه ، منهم : أبو جعفر بن جرير الطبري ، ومحمد بن نصر المروزي ، وأبو عبد اللّٰه بن مندة ، وأبو حاتم ، وابن حبّان ، وأبو عمرو بن عبد اللّٰه ، وغيرهم (٤).
وممن تصدّى للدفاع عنه الحافظ ابن حجر في مقدمته لفتح الباري ، وكلّهم مجمعون على تبرئته من الكذب (٥).
وعلى أيّ حال ، فإنّ غاية ما قيل في عكرمة من تهم وطعون هي ثلاثة ، وهي كلّها يمكن أن يجاب عنها طبق ما قرّر من أصول وقواعد ، وعليه فالنتيجة المتوصل
__________________
(١) التاريخ الكبير ، للبخاري ٦ : الترجمة ٢٥٤٤.
(٢) تهذيب الكمال ٢٢ : ١١.
(٣) فقد قرن مسلم عكرمة بطاوس في الرواية عن ابن عباس في حج ضباعة (انظر صحيح مسلم بشرح النووي ٧ ـ ٨ : ٣٨٢ ح ١٢٠٨).
(٤) مقدمة فتح الباري : ٤٢٤ وفي كلام الشيخ محمد تقي التستري ـ من الشيعة ـ ما يشير إلى دفاعه عن بعض التهم الموجّهة إليه ، انظر قاموس الرجال ٧ : ٢٣٧.
(٥) مقدمة فتح الباري : ٤٢٤.