النبي بل كان يجتهد أمامه ، راجيا التعمق في العبادة ، وأنّ رسول اللّٰه أخبره بعاقبة الزاهد المتعمق!! هذا وقد بقي عبد اللّٰه مصرّا على ما رآه حتى أواخر حياته (١) مع وقوفه على نهى الرسول وسماعه لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (لا أفضل من ذلك) ، نعم إنّ رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله أخبره بإمكان ضعفه وتكاسله عن العبادة عند الكبر لقوله (إنّك لعلك أن تبلغ بذلك سنا وتضعف) (٢).
وفي نص آخر : يا عبد اللّٰه لا تكن مثل فلان ، كان يقوم الليل فترك قيام الليل (٣).
وجاء في سيرة ابن هشام أنّ عبد اللّٰه بن الحارث سأل عبد اللّٰه بن عمرو : هل سمع كلام ذو الخويصرة وقوله لرسول اللّٰه لم
أرك عدلت؟ فأجابه بالإيجاب ، ثم نقل له كلام رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله بأنّ له شيعة سيتعمقون في الدين (٤).
بلى ، إنّ عبد اللّٰه تأسف في كبره على عدم استجابته لتعاليم رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله فقال (.. فأدركني الكبر والضعف حتى وددت إنّي غرمت مالي وأهلي وإنّي قبلت رخصة رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله في كل شهر ثلاثة أيام ..) (٥)
وقد علّق الذهبي بعد كلام طويل له بقوله «. فمتى تشاغل العامّة بختمة في كل يوم ، فقد خالف الحنفية السمحة ، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه ولا تدبّر ما يتلوه.
هذا السيد العابد الصاحب [يعني به عبد اللّٰه بن عمرو] كان يقول لما شاخ : ليتني قبلت رخصة رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، وكذلك قال له عليهالسلام في الصوم ، وما زال يناقضه حتى قال له : صم يوما وأفطر يوما ، صوم أخي داود عليهالسلام ، وثبت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال :أفضل الصيام صيام داود ، ونهى عليهالسلام عن صيام الدهر (٦) ، وأمر عليهالسلام بنوم قسط من
__________________
(١) لقوله : فلان أكون قبلت رخصة رسول اللّٰه أحب إليّ من أن تكون لي حمر النعم حسبة.
(٢) الطبقات الكبرى ٤ : ٢٦٣.
(٣) الطبقات الكبرى ٤ : ٢٦٥.
(٤) سيرة ابن هشام ٤ : ١٣٩.
(٥) حلية الأولياء ١ : ٢٨٤ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٩١ ، مسند أحمد ٢ : ٢٠٠ ، الطبقات الكبرى ٤ : ٢٦٤.
(٦) أخرجه البخاري : ١٩٥ في الصوم ، باب صوم داود ، ومسلم (١١٥٩) (١٨٧) في الصيام باب النهي عن صيام الدهر بلفظ (لا صام من صام الأبد).