«واعلم أنّ ما كان في الصحيحين عن المدلّسين بـ «عن» ونحوها (١) فمحمول على ثبوت السماع من جهة أخرى ، وقد جاء كثير منه في الصحيح بالطريقين جميعا ، فيذكر رواية المدلّس بـ «عن» ثمّ يذكرها بالسماع» (٢).
قلنا : هذا باطل ولا يفيد أيضا في المقام ، لأنّنا لم نعثر على تصريح لزيد بن أسلم بالسماع عن عطاء في جميع مرويّات صحيح البخاري ، بل وحتّى في غيره من الكتب المعتمدة ، والّذي يشهد على بطلان دعوى النووي وغيره (٣) ما صرّح به ابن حجر من أنّ الحديث المعنعن المرويّ في صحيح البخاري إذا رواه مدلّس ، ولم يصرّح ذلك المدلّس بالسماع في موضع آخر من الصحيح ، فحديثه ساقط عن الاعتبار والحجيّة ، وإليك نص كلامه :
«.. فحكم من ذكر من رجاله ـ أي صحيح البخاري ـ بتدليس أو إرسال أن تسبر أحاديثهم الموجودة عنده بالعنعنة ، فإن وجد التصريح بالسماع اندفع الاعتراض وإلّا فلا» (٤).
وهذا النص صريح في سقوط طريق البخاريّ هذا عن الحجيّة ، إذ قدّمنا إليك بأنّنا لم نعثر على تصريح لزيد بن أسلم بالسماع عن عطاء فيه.
نعم ، هناك ما يشير ظاهره إلى أن زيدا قد صرح بالسماع عن عطاء في رواية أخرجها مسلم في كتاب المساقاة وهي :
قال مسلم : حدثنا خالد بن مخلد ، عن محمد بن جعفر ، سمعت زيد بن أسلم ، أخبرنا عطاء بن يسار ، عن أبي رافع مولى رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، قال : استسلف بكرا .. الحديث (٥).
__________________
(١) كأن يقول الراوي : حدّثني زيد أن عمرا قال كذا ، فهذا الحديث يسمّى بالمؤنّن ، وحكمه حكم المعنعن ـ في الحكم عليه بالاتصال والانقطاع ـ «انظر مقدمة ابن الصلاح : ١٥٣ تقريب النووي (المطبوع مع شرح الكرماني) : ٨ ، فتح المغيث ١ : ١٨٤ وط اخرى ١ : ١٦١ ، ١٥٥ ، تدريب الراوي ١١٥ وط أخرى ١ : ٢١٧».
(٢) مقدمة شرح صحيح مسلم ، للنووي ١ ـ ٢ : ١٤٦.
(٣) كالقاسمي في قواعد التحديث : ١٣٧.
(٤) مقدمة فتح الباري : ٣٨٢.
(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ ح ١١٩.