فإن قلت : هذا دليل على سماعه من عطاء فلا يضر كونه مدلسا؟
قلنا : يدفعه أن هذا ليس بدليل ، أما أولا ، فلأن مسلما إنما أخرج هذا الحديث بهذا الطريق متابعة لا أصلا ، ويدلّ على ذلك أنّه قال في إخراج الأصل.
حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح ، أخبرنا ابن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي رافع ، أن رسول اللّٰه استسلف من رجل بكرا .. الحديث (١).
وهذا يعني أن الحجّة وأصل الحديث عند مسلم هو ما أخرجه بسنده إلى مالك بن أنس عن زيد بملاحظة أن سلسلة السند إلى زيد في هذا السند إثبات أفذاذ ..
وأما ثانيا : فلأنّ تصريح زيد بـ «أخبرنا» في هذا الطريق مما يخدش ثبوته عنه ، وذلك لأنّه ـ كما رأيت ـ من رواية «خالد بن مخلد ، عن محمد بن جعفر ، عنه» ، وكل من خالد بن مخلد ومحمد بن جعفر (غندر) ـ وبخاصة الثاني ـ متكلّم في حفظه وضبطه ، بل هو البليد الأبله كما تقدم الحديث عنه.
وأما ثالثا : فلأنّه يستبعد الوثوق بسماعه في رواية واحدة رواها عنه راو قليل الحفظ والذي هو غندر ، مع أن له مئات من الروايات رواها عن عطاء في الكتب الستة وغيرها لم يصرح ولا بواحدة منها بالسماع. وعليه فلا ثبوت لسماعة من عطاء على ما هو الحق.
ولا يفوتنا أن نذكر أنّ الإمام أحمد بن حنبل قد روى في مسنده «عن أبي سلمة الخزاعي ، عن ابن بلال» مثل ما رواه البخاري في صحيحة سندا ومتنا (٢) ، إلّا أن أحمد روى أيضا بسنده المتقدم «عن ابن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن عباس» حديثا قال عنه : أنّه نحو الحديث السابق (٣).
ومع ذلك فهذا الحديث لا يمكن الاحتجاج به بالمرّة ، لأنّ يعقوب هذا مجهول الحال والهوية بالاتفاق على ذلك من علماء الرجال.
__________________
(١) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ ح ١١٨.
(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ :
(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ :