أقول : ربما يشهد الخبر المحكيّ عن الذكرى بصدق ما رووه عن عمر ، وأنّ ضرب الإماء والنهي عن تشبّههنّ بالحرائر كان من فعله ، فيغلب على الظنّ جري الخبرين الأوّلين (١) مجرى التقيّة ، كما يؤيّدهما بعض الأمارات الداخليّة والخارجيّة ، المشعرة بكون النهي عن التشبّه بالحرائر كلمة دائرة على ألسنتهم ، ولا يبعد صدور الأمر بالضرب في الرواية الأولى (٢) من باب التهكّم والاستهزاء قصد به ظاهره تقيّة ، ولولا قوّة احتمال التقيّة في هذه الأخبار ، لأمكن حملها على الكراهة ، وإن لا يخلو توجيه جواز الضرب على ارتكاب المكروه عن تكلّف ، فالأولى ردّ علمها إلى أهله بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرها ومعارضتها بما عرفت ، والالتزام برجحان التستّر ؛ لما في بعض الأخبار من الأمر بمخالفتهم ما استطيع ، وأنّ الرشد في خلافهم (٣) ، فليتأمّل.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ مراد الأصحاب بأنّه لا يجب على الأمة والصبيّة ستر رأسها في الصلاة هو الوجوب الشرطي ، لا الشرعي ، فما توهّمه بعض (٤) ـ من أنّ استثناءهم للصبيّة في المقام عمّن يجب عليها ستر الرأس في غير محلّه ؛ حيث إنّها غير مكلّفة بشيء ـ ليس بشيء.
ونظيره توهّم أنّ المشهور فيما بينهم كون عباداتها (٥) تمرينيّة لا شرعيّة ،
__________________
(١) المتقدّمين في ص ٤٤١ ـ ٤٤٢.
(٢) أي : رواية حمّاد الخادم ، المتقدّمة في ص ٤٤١.
(٣) الكافي ١ : ٨ (خطبة الكتاب) و ٦٨ (باب اختلاف الحديث) ح ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٦ / ١٨ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ / ٨٤٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١ و ١٩.
(٤) البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٦.
(٥) في «ض ١٢» : «عبادتها».