بل استظهر في الحدائق من الرواية جريها مجرى التمثيل ، وأنّه يفهم منها التخيير بين الجهر والإخفات في سائر أقوال الصلاة ، إلّا أن يدلّ دليل على خلافه.
قال ما لفظه : والظاهر أنّ ذكر هذه الأشياء في الرواية إنّما هو على وجه التمثيل ، فيكون الحكم شاملا لجميع أذكار الصلاة إلّا ما خرج بالدليل ، ومنه القراءة والتسبيح في الأخيرتين ، فإنّ الحكم فيها ذلك ، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب [وجوب] الإخفات فيه ، وفي هذه الأزمان اشتهر بين جملة من أبناء هذا الزمان القول بوجوب الجهر فيه ، والكلّ بمعزل عن الصواب (١). انتهى.
أقول : لو سلّمنا ظهور الخبر في كون ذكر هذه الأشياء على وجه التمثيل ـ كما ليس بالبعيد ـ فلا يفهم من ذلك إلّا حكم ما هو مماثل للمذكورات ، مثل التسليم والتكبيرات وأشباهها ، لا القراءة وما قام مقامها من التسبيح ؛ إذ لو كانت القراءة مقصودة بالسؤال ، لما عدل عنها إلى غيرها في مقام التمثيل ، خصوصا بعد أن علم اعتبار الوصفين فيها في الجملة.
وكيف كان فالقدر المتيقّن ممّا يمكن استفادته من النصّ والإجماع وسيرة المسلمين إنّما هو عدم وجوب رعاية الوصفين في سائر الأقوال ممّا عدا ما هو وظيفة الأخيرتين من القراءة أو التسبيح ، وأمّا فيها فلا ينبغي التأمّل في جريان السنّة على الإخفات ، واستقرار السيرة عليه من صدر الإسلام من غير فرق بين القراءة والتسبيح ، فيفهم وجوبه حينئذ من صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٢).
__________________
(١) الحدائق الناضرة ٨ : ١٤٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(٢) في ص ٢٤٤.