بل الأذلّاء ، فإطلاق «المسكين» في العرف على من يسأل ، بملاحظة ظهور وصف المسكنة والالتجاء إلى الغير فيه ، لا كونه بالخصوص موضوعا له هذه الكلمة ، فالفقير المتعفّف الذي يعدّ في العرف من الأعزّة والأشراف هو في نفسه مسكين وإن لم يظهر عليه أثره ، إذ الفقر في حدّ ذاته من أقوى أسباب المذلّة ، فكلّ من يحتاج في نفقته إلى الاستعانة بغيره هو في نفسه مسكين وإن انصرف عنه إطلاق لفظه في المحاورات العرفيّة ما لم يظهر عليه أثره.
ولكن هذا أي الانصراف العرفي في ما إذا لم يكن المقام مناسبا لإرادة الأعمّ ، كما في موارد الأمر بالتصدّق على المساكين حيث إنّ المناسبة مقتضية لأن يكون نفس الفقر والحاجة بنفسها هي الملحوظة بهذا التكليف ، لا خصوصيّة وصف المسكنة من حيث هو ، كي يكون عدم بروزه في مورد موجبا لانصراف إطلاق اللفظ عنه ، فمتى اجتمع الفقراء والمساكين في كلام واحد ، كما لو أمر المولى عبده بأن يفرّق هذا المال على الفقراء والمساكين ، لا يتبادر من لفظ المساكين إلّا إرادة أهل السؤال ونحوهم ممّن ظهر عليه آثار المذلّة ، بخلاف ما لو انفردت المساكين بالذكر ، بأن أمره بالتصدّق به على المساكين ، كما في آية الخمس (١) ونظائرها (٢) ، فإنّ المتبادر من إطلاق المسكين في مثل هذه الموارد ليس إلّا ما يتبادر من إطلاق الفقير ، ولذا لم يقع الخلاف في ذلك على ما اعترف به غير واحد ، عدا ما صدر من بعض من تقدمت الإشارة إليه من التردّد فيه.
__________________
(١) سورة الأنفال ٨ : ٤١.
(٢) سورة البقرة ٢ : ١٧٧ وسورة الإسراء ١٥ : ٢٦.