ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وتلو أفعل انصبنّه كما |
|
أو فى خليلينا وأصدق بهما |
لمّا بيّن صيغتي التّعجّب نبّه على أنّك تنصب تلو «أفعل» أي : الواقع بعد «أفعل» (١) ، ثمّ مثّل ذلك بقوله : «ما أوفى خليلينا» ، ثمّ مثّل الصّيغة الثّانية من فعلي التّعجب بقوله : «وأصدق بهما» وجرّ ما بعدها بالباء ، ليعلم أنّ الحكم ذلك.
وحصل من البيت تمثيل فعلي التعجّب ، وأنّ (٢) ما يلي «أفعل» ينصب ، وذلك بالنّصّ منه ، وما يلي «أفعل» يجرّ بالباء ، وذلك مفهوم / من المثال ، وإن لم ينصّ عليه.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وحذف ما منه تعجّبت استبح |
|
إن كان عند الحذف معناه يضح |
نبّه (في هذا البيت) (٣) علي أنّ المتعجّب منه يستباح حذفه ، إذا كان معلوما عند السّامع متّضحا ، فدخل تحت قوله : («ما منه) (٤) تعجّبت» : المنصوب بعد «أفعل» ، والمجرور بالباء بعد «أفعل» ، لأنّ كليهما متعجّب منه.
فمثال حذف المنصوب بعد «أفعل» قول عليّ رضياللهعنه :
١٥٤ ـ جزى الله عنّا والجزاء بفضله |
|
ربيعة خيرا ما أعفّ وأكرما |
__________________
المستتر في «أفعل» فقال ابن كيسان : الضمير للحسن المدلول عليه بأحسن ، وقال الفراء والزجاج وابن خروف والزمخشري : الضمير المستتر في «أفعل» للمخاطب المستدعى منه التعجب ، وإنما التزم إفراده وتذكيره لأن «أفعل» المستتر فيه الضمير كلام جرى مجرى المثل ، والأمثال لا تغير عن حالها.
انظر في ذلك التصريح على التوضيح : ٢ / ٨٨ ، شرح المرادي : ٣ / ٥٧ ، شرح الرضي : ٢ / ٣١٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ١٩ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ١٤٧ ، الهمع : ٥ / ٥٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٥٢ ، ابن عقيل مع الخضري : ٢ / ٣٩.
(١) قال المرادي في شرحه (٣ / ٥٤): «مذهب البصريين أنه مفعول به ، وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن نصبه على حد النصب في نحو «زيد كريم الأب». وانظر الهمع : ٥ / ٥٥.
(٢) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح الهواري : (١٣٠ / ب).
(٣ ـ ٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح الهواري : (١٣٠ / ب).
١٥٤ ـ من الطويل لعلي بن أبي طالب رضياللهعنه ، من قصيدة له في ديوانه (١٢٧) ، يمدح فيها قبيلة ربيعة في وقعة صفين ، وكانوا أبلوا بلاء حسنا ، ورواية الديوان :
جزى الله قوما قاتلوا في لقائهم |
|
لدى البأس خيرا ما أعفّ وأكرما |
ربيعة أعني إنّهم أهل نجدة |
|
وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما |
ويروى : «عنى» بدل «عنا». والشاهد فيه حذف المنصوب من «أعف وأكرم» ولحذفه