الكلام على خطبة الكتاب (١)
(هذا) إنما أشار إلى ما أجمع عليه رأيه ووجه إليه عزمه ؛ لأنه رتب في نفسه أمرا وقصد إيراده على وجه مخصوص ، وكيفية معتبرة فصار مقصوده من ذلك لقوة أسبابه عنده وتمكنه من إبرازه ـ في حكم الوجود الحاضر فعومل في الإشارة إليه معاملته.
وقد تكلم الناس على كلمة (هذا) من قول سيبويه ـ رحمهالله «تعالى» (٢) ـ : هذا باب علم ما الكلم من العربيّة (٣). فقيل : استعملها غير مشير بها ؛ ليشير بها عند الحاجة وقيل : أشار إلى شيء وإن لم يكن موجودا ؛ لأنه متوقع قريب ، وقيل : أشار إلى ما في نفسه من مقصود الباب. وذلك حاضر عنده (٤). فقد يقال : هذه الأقوال هنا أيضا ، ولكن الأولى ما أشرنا إليه (٥) ، وإياه قصد صاحب القول الثالث.
وأما ما قيل من أن سيبويه وضع الباب أولا ثم وضع الترجمة ، فلا يتأتى هذا ؛ لقول المصنف في آخر الخطبة : (وها أنا ساع فيما انتدبت إليه) ، فدل على أنه وضعها أولا.
(كتاب) هو مصدر في الأصل فقد يقال : المراد به هنا المكتوب [١ / ٥]
__________________
(١) شرح ناظر الجيش هذه الخطبة المثبتة في التسهيل شرحا عظيما وافيا بالمراد ، بلا اختصار مخل أو تطويل ممل ، لم يثبتها ابن مالك في شرحه على التسهيل وبالتالي لم يشرحها ، وكان الأولى بأبي حيان في شرحه أن يثبتها ويشرحها ، ولكنه لم يفعل.
(٢) كلمة «تعالى» من نسخة (ب) ، (ج).
وسيبويه إمام النحاة بلا مجادل وعلمهم المشهور يعرفه كل من خطا خطوة في طريق النحو ، وهو عمرو بن عثمان أبو بشر الملقب بسيبويه. كتبت فيه كتب كثيرة ، وشرح كتابه شراح كثيرون ، ولد بإحدى قرى شيراز سنة (١٤٨ ه) ورحل إلى بغداد والبصرة وكان إمام النحاة البصريين إلا أنه مات شابّا سنة (١٨٠ ه). ترجمته مفصلة في كتب التراجم كلها. وانظر : نزهة الألباء (ص ٦٠) ، بغية الوعاة (٢ / ٢٢٩) الأعلام (٥ / ٢٥٢).
(٣) انظر : كتاب سيبويه (١ / ١٢) ، (طبعة هارون) وقد صدّر سيبويه أبواب الكتاب كلها بكلمة : هذا.
(٤) انظر في هذه الآراء الثلاثة شرح كتاب سيبويه للسيرافي (١ / ٤٥) الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق د / رمضان عبد التواب. وانظر أيضا هامش كتاب سيبويه (١ / ١٢) تحقيق عبد السّلام هارون.
(٥) وهو أن ابن مالك يريد ما في نفسه من مقصود الباب ، وما عقد عليه عزمه من تأليف العلم وتصنيفه.