ولقد أحسن التّهاميّ (١) حيث قال :
٤ ـ إنّي لأرحم حاسديّ لفرط ما |
|
ضمّت صدورهمو من الأوغار |
نظروا صنيع الله بي فعيونهم |
|
في جنّة وقلوبهم في نار |
لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي |
|
فكأنّما برقعتها بنهار (٢) |
وفي قول المصنف : يسد ويصد ، الجناس المضارع. وهو كالجناس اللاحق إلا في شيء واحد وهو تقارب الحرفين المختلفين في المخرجين ، كما رأيت من تقارب السين والصاد.
(وألهمنا شكرا يقتضي توالي الآلاء ويقضي بانقضاء اللّأواء).
والإلهام : الإلقاء في الروع ، يقال : ألهمه الله كذا أي : ألقى في روعه.
والشكر : الثناء على المحسن بما أولى من المعروف ، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه. وتوالي : ترادف وتتابع ، والآلاء : النعم ، واحدها ألي بالفتح وقد يكسر كمعي وأمعاء.
ولقضى معان منها : حكم : قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٣).
فالمعنى : ويحكم بانقضاء اللأواء وهي الشدة. وفي الحديث : «من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهنّ كنّ له حجابا من النّار» (٤).
__________________
(١) هو أبو الحسن علي بن محمد بن نهد التهامي ، شاعر مشهور من أهل تهامة بين الحجاز واليمن. زار الشام والعراق ، وولي خطابة الرمي ، ثم رحل إلى مصر متخفيا ومعه كتب من حسان بن مفرح الطائي أيام استقلاله ببادية فلسطين إلى بني مرة قبيل عصيانهم بمصر ، فعلمت به حكومة مصر فاعتقلته وحبسته بالقاهرة ثم قتل سرّا في سجنه وكان ذلك سنة (٤١٦ ه) ، له ديوان شعر مطبوع ، وشعره سهل ميسور. انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (٥ / ١٤٥).
(٢) الأبيات من بحر الكامل وهي من القصيدة المشهورة لأبي الحسن التهامي في رثاء ابن صغير له ومطلعها :
حكم المنيّة في البريّة جار |
|
ما هذه الدّنيا بدار قرار |
ومعنى الأبيات واضح ، وهي في ذم الحسد ووصف حال الحاسد وفيها هجو للناس.
انظر ديوان أبي الحسن التهامي (ص ٣١) مطبعة الأهرام (الإسكندرية).
(٣) سورة الإسراء : ٢٣.
(٤) الحديث في صحيح مسلم (٨ / ٣٨) (كتاب التحرير بالقاهرة) وروايته فيه : من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترا من النار. وهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٤ / ١٥٤) : من كان له ثلاث بنات فصبر عليهنّ فأطعمهن وسقاهنّ وكساهنّ من جدّته كنّ له حجابا من النّار ،