تمهيد
العصر الثقافي أو الحياة العلمية في عصر ناظر الجيش :
في الوقت الذي سقطت فيه بغداد سنة ٦٥٦ ه على يد التتار ـ أصبح المسلمون في حيرة من أمرهم ، فإذا بهم يلتفتون في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون لأنفسهم عن ملجأ يلجأون إليه ومأوى يأوون إليه ؛ فلم يجدوا أمامهم غير مصر والشام ؛ حيث أسس المماليك لهم ملكا وأقاموا لأنفسهم سلطانا ، وكونوا لعرشهم جندا يذود عنه ويدفع كيد الأعداء.
وكان من حسن سياسة سلاطين المماليك أن أفسحوا في مصر مكانا للخلافة جديدا يؤوون فيه أحد سلائل خلفاء بني العباس بعد ثبوت نسبه وبذلك أعادوا للخلافة سيرتها.
وبذلك كله اكتسبت مصر مكانا جديدا في الحياة .. وانتقل النشاط العلمي من العراق وبغداده إلى مصر وقاهرتها ، ونشرت القاهرة زعامتها العلمية وقيادتها الأدبية على البلاد الإسلامية تقريبا زهاء هذه القرون الثلاثة التي عاشت فيها دولة المماليك (١).
ولقد تجمعت عدة عوامل (٢) جعلت مصر رائدة للثقافة في هذا العصر نوجزها فيما يلي :
١ ـ وقوع كثير من البلاد الإسلامية في يد المغول :
طغى سيل المغول الجارف من أواسط آسيا إلى شمالها ، مكتسحا ما أمامه من بلاد المسلمين حتى وصل العراق وبلاد الشام ، وعمل بها الكثير مما تقشعر له الأبدان ؛ فكان لا بد للمسلمين من أن تلتف قلوبهم حول المدافعين عنهم من سلاطين المماليك ملتمسين فيهم الزعامة التي تدافع عنهم ، وأن يشد أزرهم ويدعموا ملكهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، ومن أهم وسائل تدعيم الملك
__________________
(١) انظر : عصر سلاطين المماليك (٣ / ١٠ ـ ١٣).
(٢) المرجع السابق (٣ / ١٧ ، ١٨).