______________________________________________________
مختلفة بأنا نجد كثيرا من الحروف تكون لمعان كثيرة يفهم من كل معنى منها حالة التركيب ، وذلك نحو من ؛ فإنها تكون لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين ولم يعرب شيء منها. انتهى (١).
والجواب : أن المعاني المعتورة على الاسم أمور زائدة على مدلوله ؛ فمدلول الاسم واحد ، وتعتور عليه معان ثلاثة مختلفة تحتاج إلى أمر يدل عليها ويفصل بعضها من بعض ، وذلك الأمر هو الإعراب. وأما الحرف إذا دل على معان متعددة فكل معنى منها هو مدلول الحرف حال دلالته عليه ؛ فالمعاني التي له هي مدلولاته ، وليس ثم أمر زائد يحتاج بسببه إلى الإعراب ، ولا يفتقر الدال في دلالته على معناه إلى الإعراب ؛ بل ولا إلى التركيب أيضا. فظهر أن اعتراض الشيخ ساقط (٢).
البحث الثاني :
قد تقرر أن الإعراب أصل في الاسم فرع في الفعل. وهذا هو مذهب البصريين ؛ إلا أنهم لم يجعلوا علة إعراب الفعل ما ذكره المصنف (٣). بل العلة عندهم ما سنذكره بعد. ومذهب الكوفيين أن الإعراب أصل في الفعل كما هو أصل في الاسم ؛ واحتجوا بأن موجب الإعراب في الاسم هو كونه يفتقر إليه لتبيين المعاني المعتورة عليه في بعض المواضع هو بعينه موجود في الأفعال في بعض المواضع نحو : لا تأكل السّمك وتشرب اللبن ؛ فإنما يفهم من الجزم النهي عن الفعلين مجتمعين ومفترقين. ومن النصب النهي عن الجمع بينهما. ومن الرفع النهي عن الأول وإباحة ـ
__________________
(١) انظر التذييل والتكميل : (١ / ١٢١) وأمثلة معاني من التي ذكرها أبو حيان هي كالآتي بالترتيب : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١] ، (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] ، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠].
(٢) يذكر أبو حيان ـ معترضا على ابن مالك ـ أن كثيرا من الحروف لها معان كثيرة ، ومع ذلك فالحروف كلها مبنية.
ويجيب ناظر الجيش قائلا : إن هذه المعاني التي تأتي للحرف هي مدلول الحرف ومعناه ؛ فليس هناك أمر زائد على المعنى يحتاج الحرف بسببه إلى الإعراب بخلاف الأسماء للأسماء ؛ فإن معانيها في نفسها أولا كزيد الدال على إنسان صفته كذا وكذا ، وجمل الدال على حيوان صفته كذا وكذا ثم تصير للأسماء معان أخر زائدة يحتاج بسببها إلى الإعراب كالفاعلية والمفعولية والإضافة وهكذا.
(٣) وهو قبول الفعل بصيغة واحدة معاني مختلفة نحو : لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا ، ونحو ما سيذكره الشارح : لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن.