______________________________________________________
فصل الضمير بعد إنما مذهبين :
أحدهما : مذهب سيبويه : وهو أن الفصل ضرورة (١). وذكرا أن سيبويه لم يلتفت إلى المعنى ، وهو كون الضمير في معنى المفصول بينه وبين عامله بإلا.
الثاني : مذهب الزجاج : وهو أن الفصل ليس بضرورة ، لما ذكر من كون الكلام بمعنى إلا.
وأفهم كلامهما أن الزجاج يجيز الفصل ولا يوجبه ؛ ومن ثم جعل الشيخ القول الأول بتعين الانفصال في كلام المصنف مذهبا ثالثا (٢).
قال ابن عصفور : «والصّحيح أنّ الفصل ضرورة ، إذ لو كان هذا الموضع موضع فصل الضّمير لوجب ألّا يؤتى به [١ / ١٦١] متّصلا كما لا يجوز ذلك مع إلّا ؛ فقول العرب : إنّما أدافع عن أحسابهم وأمثاله ؛ دليل على أنّه من مواضع الاتّصال وأنّ الانفصال فيه ضرورة» (٣).
وقال الصفار : «مذهب سيبويه أسدّ ؛ لأنّك تقدر على الاتّصال فلا تفصله ؛ بخلاف إلّا ؛ إذ لا يمكن أن يتّصل بهما ضمير وتكون القرائن تبيّن المحصور ما هو من فاعل أو مفعول على حسب المواضع» انتهى (٤).
ولا يتجه لي القول بأنه إذا كان الضمير محصورا بعد إنما لا يتعين انفصاله ؛ فضلا عن أنه لا يجوز ، لأنّا بالبديهة نعقل الفرق بين قولنا : إنما قام أنا ، وبين قولنا : إنما قمت. إذ معنى الأول : ما قام إلا أنا ، فالحصر في الفاعل ، ومعنى الثاني : ما فعلت إلا القيام ، فالحصر في الفعل ، فلا يعلم أن الحصر في الفاعل إلا بانفصال الضمير ، وسببه : أن إنما لما كانت للحصر كان معناها معنى إلا الواقعة بعد النفي. والمحصور بإلا يجب تأخره عنها ؛ فيجب إذ ذاك انفصاله إن كان ضميرا متصلا بعامل قبلها ، فكذلك يجب أن يكون الحال مع إنما. ولو كان الأمر على ما قال ـ
__________________
(١) سيأتي نص سيبويه في الشرح بعد قليل.
(٢) قال أبو حيان : «ذهب سيبويه إلى أنّ فصل الضّمير بعد إنّما هو ضرورة ، وأنّ الفصيح اتّصاله.
وذهب الزّجاج إلى أنّ فصله ليس بضرورة ، وذهب المصنّف إلى أنّه متعيّن الانفصال». (التذييل والتكميل : ٢ / ٢١٨).
(٣) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور : (٢ / ١٠٥).
(٤) التذييل والتكميل (٢ / ٢١٩).