.................................................................................................
______________________________________________________
البحث الثاني :
يظهر من كلام المصنف أنه لم يخرج بقوله مطلقا من المعارف إلا المضمرات وأسماء الإشارة. ثم إنه قال : «إنّ كلّا من المضمرات وأسماء الإشارة مخصوص باعتبار ، غير مخصوص باعتبار» وفي كلا الأمرين نظر.
أما الأول : فلأنه إذ ذاك يحتاج إلى ذكر قيد زائد في الحد يخرج به بقية المعارف إلّا أن يقول : إن بقية المعارف مساوية للضمير واسم الإشارة في أن لها تخصيصا باعتبار ، وشياعا باعتبار آخر ؛ وإنما استغنيت بذكرهما عن ذكر غيرهما ، لكن عبارته تشعر بحصر المخرج فيهما.
وأما الثاني : فلإشعار كلامه بأن المضمرات وأسماء الإشارة كليات وضعا ، وذلك يقتضي انحطاط رتبة المضمرات في التعريف عن رتبة العلم.
وقد تقدم له أن المضمر أعرف المعارف فيؤدي كلامه حينئذ إلى التدافع (١) والأولى أن يكون كلامه مطلقا فصلا يفصل العلم عن سائر المعارف ؛ فإن كلّا منها مخصوص لا مطلقا بل بقيد. فالضمير [١ / ١٨٧] مخصوص بقيد الحضور أو الغيبة ، واسم الإشارة بقيد الحضور ، وذو الألف واللام بقيد العهد أو غيره من المعاني المفادة بها مع مصحوبها ، وأمّا العلم فمخصوص بمسماه مطلقا ، أي دون قيد ، بل مجرد وضع اللفظ لذلك المعنى كاف في التخصيص.
وهذا الذي أشير إليه هو ما أفهمه كلامه في الكافية ، حيث قال :
ما عيّن المعنى بلا قيد علم
وفي الألفية حيث قال : ـ
__________________
(١) معنى التدافع أي التناقض والاختلاف وذلك لأنه سبق له أن قال : إن الضمير أعرف المعارف ؛ لأنه جزئي وضعا فأنا وضع للمتكلم والمتكلم حال التكلم معين وهكذا الخطاب.
وهنا قال : إن العلم : هو المخصوص مطلقا بمسمى غير مقدر الشياع ، وذكر أن المخصوص مخرج للمضمرات لأن كل واحد منها مخصوص باعتبار غير مخصوص باعتبار ، فلفظ أنا وضع ليخص به المتكلم نفسه ، ولكل متكلم منه نصيب حين يقصد نفسه ، فيكون أقل تعريفا من العلم. وسبق له أن قال : إن الضمير أعرف المعارف. وهذا هو التناقض. وقد أجاب عنه ناظر الجيش إجابة مقنعة.