واقرأ قوله :
ولقد حفظت وصاة عمي بالضّحا |
|
إذ تقلص الشّفتان عن وضح الفم |
في حومة الحرب ...
لما رأيت القوم ...
يدعون عنتر والرماح كأنّها |
|
أشطان بئر في لبان الأدهم |
ما زلت أرميهم ..
فازورّ من وقع القنا ..
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ...
فكل هذه الأبيات متعانقة تأخذ برقاب بعضها البعض ؛ لأنها تؤدي معاني متسلسلة ، وكل بيت يمثل حلقة.
واقرأ مطولات «المفضليات» واقرأ ما كتبه المحققان أحمد محمد شاكر وعبد السّلام محمد هارون ، تحت عنوان «جوّ القصيدة» فإن هذا الجوّ يشعرك بالرابط النفسي ، والرابط المعنوي بين أبيات القصيدة وأجزائها مهما كانت طويلة.
وقد وضع المرزوقي في مقدمة شرحه «الحماسة» ، معيار الشعر الجيد ، مستنبطا من نصوص الشعر العربي فقال : «فالواجب أن يتبيّن ما هو عمود الشعر المعروف عند العرب ؛ ليتميز تليد الصنعة من الطريف ، وقديم نظام القريض من الحديث ، ولتعرف مواطىء أقدام المختارين فيما اختاروه ، ومراسم إقدام المزيّفين على ما زيّفوه ، ويعلم أيضا فرق ما بين المصنوع والمطبوع ... فنقول ، وبالله التوفيق : إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته ، وجزالة اللفظ واستقامته ، والإصابة في الوصف ، ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة ، كثرت سوائر الأمثال وشوارد الأبيات والمقاربة في التشبيه ، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن ، ومناسبة المستعار منه للمستعار له ، ومشاكله اللفظ للمعنى ، وشدة اقتضائها للقافية حتى لا منافرة بينهما. فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر ، ولكل باب منها معيار».