الوزن. وتأتي الوحدة أيضا : من أنّ كلّ بيت ، يسلمك إلى ما بعده ، لارتباطه به معنى ونظما. وقد تؤدي بعض الأبيات معنى مستقلا ، ولكن هذا لا يجعله منفكا عما قبله وعمّا بعده ، بل يكون البيت في القصيدة بمنزلة الكلمة في البيت ، والكلمة في البيت تؤدي معنى لغويا وهي منفردة ، ولكنها لبنة في بناء البيت ، لا يتمّ إلا بها. وتكون القصيدة كلها كالبيت منظومة في سلك واحد ، كما تنتظم الكلمات في البيت.
فالتفكك إذن عيب في الشعر ، فكيف يجعلونه من خصائص قصيدهم. وانظر عشرات المقطعات التي أوردها أبو تمام في الحماسة مع شرحها ، فإنك تجد مصداق ما قال المرزوقي في مقدمته. فالبحث يطول ويحتاج إلى كتاب منفرد ، لعرض النماذج التي تبين بطلان زعم الزاعمين بتفكّك القصيدة العربية وأن البيت وحدتها .. وحتى أبيات الحكمة التي تؤدي معاني منفردة فإنها مربوطة بخيط دقيق ، يتصل بالتجربة التي عاناها الشاعر. فلا تلتفتنّ إلى ما قال النقاد ، فهم مقلدون لأول من قال ، وأول من قال جاهل بالشعر العربي.
٢ ـ ينحصر زمن شعراء الشواهد بين العصر الجاهلي ، ونهاية العصر الأموي وإذا وجدنا بيتا لشاعر عباسي ، قالوا : إنه للتمثيل وليس للاستشهاد. وأنا أرى أنهم حجروا فضيّقوا ، وكان أمامهم سعة للاختيار من العصر العباسي ، مع صحّة ربّما تضاهي أو تفوق صحة بعض ما استشهدوا به من العصر الذي حددوه ، وفي هذا المقام أذكر الملاحظات التالية :
أ ـ قسموا الشعراء إلى أربع طبقات : ثلاثة منها يستشهد بشعرهم وهم : الجاهليون ، والمخضرمون ، وشعراء العصر الأموي. والطبقة الرابعة وهم المولّدون أو المحدثون ، ولا يستشهد بشعرهم. وفي مجال الشعر الجاهلي يأخذون كلّ شعر منسوب إلى شاعر جاهلي. وليس عندهم سند متصل موثوق بأن كلّ الشعر الجاهلي منسوب إلى أصحابه. ونذكر على سبيل المثال : شعر امرىء القيس : فقد وصل إلينا من شعره الذي نسب إليه زهاء ألف بيت منسجمة في مئة قطعة ، بين طويلة وقصيرة ، نجدها في ديوانه ولكن ابن رشيق يقول : «لا يصحّ له إلا نيّف وعشرون شعرا بين طويل وقطعة». [العمدة ١ / ٦٧]. وبعض شعره ، الذي نسب