[من أحكام الفاعل : الرفع وتقديم الفعل]
قال ابن مالك : (وهو مرفوع بالمسند حقيقة إن خلا من «من» و «الباء» الزّائدتين ، وحكما إن جرّ بأحدهما أو بإضافة المسند ، وليس رافعه الإسناد ، خلافا لخلف. وإن قدّم ولم يل ما يطلب الفعل فهو مبتدأ ، وإن وليه ففاعل فعل مضمر يفسّره الظّاهر ، خلافا لمن خالف).
______________________________________________________
قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ)(١) ففاعل «يهدي» ضمير مضمر فيه عائد على المصدر المفهوم منه وكأنه قيل : أو لم يهد لهم هدايتنا ، وساغ ذلك ؛ لأن الهداية قد تستعمل استعمال الدلالة التي يراد بها الحجة على الشيء والبرهان ، فكأنه قيل : أو لم يتبين لهم حجتنا ، ويكون قوله تعالى : (كَمْ أَهْلَكْنا) في موضع نصب بما دل عليه (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) لأنه بمنزلة : أولم يعلموا (٢). وأما قول القائل :
١١٩٩ ـ وما راعني إلّا يسير بشرطة (٣)
فهو على إضمار «أن» ؛ التقدير : إلا أن يسير (٤). انتهى.
ويبعد في النظر والفعل كون الجملة فاعلة ، ولكن أقوال الأئمة لا تردّ وإنما ذكرت هذه المسألة استبعادي تصورها واعتقادي عدم صحتها ؛ لئلا يخلو الكتاب عن ذكرها ، فيظن عدم الاطلاع عليها.
قال ناظر الجيش : أما كون الفاعل مرفوعا فمعروف قالوا : وإنما رفع الفاعل للفرق بينه وبين المفعول (٥) ، فإن قيل : لو عكس ذلك لحصل الفرق؟
أجيب : بأن هذا السؤال يفضي إلى الدور ، وبأن الرفع أثقل من النصب ، والفاعل لا يكون إلا واحدا ، والمفعول متعدد ، فأعطي الأثقل للواحد ، والأخف للمتعدد ؛ ليتعادلا (٦) ، ثم إنه إما مرفوع حقيقة أي لفظا ومعنى نحو : صدق الله ، ـ
__________________
(١) سورة السجدة : ٢٦.
(٢) ينظر : المغني (١ / ١٨٣ ـ ١٨٤) ، والكشاف (١ / ٢٠٣) ، وحاشية الشيخ يس على التصريح (١ / ٢٦٨).
(٣) تقدم ذكره.
(٤) ينظر : حاشية الخضري (١ / ١٥٩) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٢٧).
(٥) ينظر : المقتضب (١ / ١٤٦) ، والمرتجل (ص ١١٨) تحقيق علي حيدر.
(٦) علل ابن عصفور في شرح الجمل (١ / ١٦٢) لهذه المسألة بما علل به الشارح هنا إلا أن تعليله هناك يختلف مع تعليل الشارح هنا في الجزء الأخير. يقول ابن عصفور : «وإنما رفع الفاعل ونصب المفعول تفرقة بينهما ، فإن