.................................................................................................
______________________________________________________
موضع الفاعل سائغ وأجازوا : يعجبني يقوم زيد ، وظهر لي أقام زيد أم عمرو ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)(١) ، ففاعل (بَدا) عندهم الجملة التي هي (لَيَسْجُنُنَّهُ).
وبقول الشاعر :
١١٩٧ ـ وما راعني إلّا يسير بشرطة |
|
وعهدي به قينا يغشّ يكير (٢) |
ففاعل راع عندهم الجملة التي هي : يسير بشرطة (٣) ، وذهب الفراء وجماعة من النحويين إلى أن وقوع الجملة في موضع الفاعل لا يسوغ إلا أن يكون في موضع فاعل فعل من أفعال القلوب ويكون الفعل إذ ذاك علق عليها ، فأجاز أن يقال : ظهر لي أقام زيد أم عمرو ، ولم يجيزوا : يعجبني يقوم زيد ، فإن جاء عندهم ما ظاهره ذلك تأولوه (٤) ، وقد نسب هذا القول إلى سيبويه (٥) ، والصحيح أن وقوع الجملة ـ
__________________
إليه فعل أو ما جرى مجراه وقدم عليه على طريقة فعل أو فاعل ـ ثم قال : فالفاعل إذن لا يكون إلا اسما ، و «أنّ» ، و «أن» ، و «ما» مع ما بعدهن ، خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا ، واحتج بقوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه يحتمل أن يكون فاعل (بَدا) ضمير المصدر الدال عليه وهو البداء ، كأنه قال : ثم بدا لهم هو ، أي : البداء» اه.
من هذا النص الثاني يتضح لنا عدم تصريح ابن عصفور بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد والبصريين ، وربما يكون الشارح قد قال ذلك على قول ابن عصفور : خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا ؛ لأن هذا رأي الكوفيين ومن تبعهم.
(١) سورة يوسف : ٣٥.
(٢) البيت من الطويل وهو لمعاوية الأسدي ، وهو في : الخصائص (٢ / ٤٣٤) ، والتذييل (٢ / ١١١٦) ، والخزانة (٢ / ٤٤٢) ، والعيني (٤ / ٤٠٠) ، وابن يعيش (٤ / ٢٧) ، والمغني (٢ / ٤٢٨) ، وشرح شواهده (٢ / ٨٤٠) ، وحاشية الخضري (١ / ١٥٩).
والشاهد قوله : «وما راعني إلا يسير» ؛ حيث وقع الفعل في الظاهر مسندا لفعل آخر وهو «يسير» وقد أوله النحويون على تقدير «أن».
(٣) ينظر التذييل (٢ / ١١١٦) ، والمغني (٢ / ٤٢٨).
(٤) ينظر الارتشاف (٦٢١) ، والمغني (٢ / ٤٢٨) ، والتصريح (١ / ٢٦٨).
(٥) في الكتاب (٣ / ١١٠): «وقال : أظن لتسبقنّني ، وأظن ليقومنّ ؛ لأنه بمنزلة «علمت» وقال عزوجل : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ ؛) لأنه موضع ابتداء ألا ترى أنك لو قلت : بدا لهم أيّهم أفضل ، لحسن كحسنه في علمت ، كأنك قلت : ظهر لهم أهذا أفضل أم هذا» اه. وقد ذكر الأستاذ هارون في هامش (٣) من الصفحة نفسها أنه قد جاء في نسختين أخريين من نسخ الكتاب زيادة بعد بدا فقال : «بعده في كل من (أ، ب) : بدا لهم فعل ، والفعل لا يخلو من فاعل ، ومعناه عند النحويين أجمعين : بدا لهم بدوّ قالوا : ليسجننه ، وإنما أضمروا البدو ؛ لأنه مصدر يدل عليه قوله : بدا لهم ،