على كم ؛ لأن كم للعدد والتكثير وربّ للعدد والتقليل» قلنا : لا نسلّم أنها للعدد ، وإنما هي للتقليل فقط ، على أن «كم» إنما حكم بأنها اسم لأنه يحسن فيها علامات الأسماء ، نحو [٣٥٥] حروف الجر ، نحو بـ «كم رجل مررت» وما أشبه ذلك. وجواز الإخبار عنه ، نحو «كم رجلا لاحاك» وهذا غير موجود في «ربّ» فدل على الفرق بينهما.
وأما قولهم : «إنها تخالف حروف الجر في أربعة أشياء : أحدها أنها لا تقع إلا في صدر الكلام» قلنا : إنما لا تقع إلا في صدر الكلام لأن معناها التقليل ، وتقليل الشيء يقارب نفيه ، فأشبهت حرف النفي ، وحرف النفي له صدر الكلام.
وقولهم في الثاني «إنها لا تعمل إلا في نكرة» قلنا : لأنها لما كان معناها التقليل ـ والنكرة تدل على الكثرة ـ وجب ألا تدخل إلا على النكرة التي تدلّ على الكثرة ؛ ليصح فيها معنى التقليل.
وقولهم في الثالث : «إنها لا تعمل إلا في نكرة موصوفة» قلنا : لأنهم جعلوا ذلك عوضا عن حذف الفعل الذي تتعلق به ، وقد يظهر ذلك الفعل في ضرورة الشعر.
وقولهم في الرابع : «إنه لا يجوز إظهار الفعل الذي تتعلق به» قلنا : فعلوا ذلك إيجازا واختصارا ، ألا ترى أنك إذا قلت «ربّ رجل يعلم» كان التقدير فيه : ربّ رجل يعلم أدركت ، أو لقيت ؛ فحذف لدلالة الحال عليه ، كما حذفت في قوله تعالى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) [النمل : ١٢] إلى قوله تعالى : (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) [النمل : ١٢] ولم يذكر مرسلا ؛ لدلالة الحال عليه. والحذف على سبيل الوجوب والجواز لدلالة الحال كثير في كلامهم.
وأما قولهم : «إنه يدخله الحذف ، والحذف لا يدخل الحرف» قلنا : لا نسلم ؛ فإنه قد جاء الحذف في الحرف ؛ فإن «أنّ» المشددة يجوز تخفيفها ، وهي حرف ، وكذلك حكى أبو العباس أحمد بن يحيى من أصحابكم في «سوف» [سف أفعل ، و (١) سو أفعل] فحذفتم الواو والفاء ، وإذا جاز عندكم حذف حرفين فكيف يجوز لكم أن تمنعوا جواز حذف حرف واحد؟ والله أعلم.
يقول المعتزّ بالله تعالى وحده ، أبو رجاء محمد محيي الدين بن عبد المجيد :
الحمد الله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى.
__________________
(١) زيادة يقتضيها الكلام.