السّادس : وهو أشدّ عليها من أذيّتها ، وهو ما يلحق قومها من [الناس] (١) إذا قذفوها ، فإنها صدّيقة بشاهد القرآن ، والصّدّيق أشفق على خلق الله مما هو على نفسه.
السابع : فيما يكون عذرها إذا اعترضت ، وأنكر عليها ما جاءت به.
فهذه سبع قوابض لو سلّط أحدها على جبل لتصدّع! ويكفيك قولها عند ذلك : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [مريم : ١٩ / ٢٣] فأي مقام فوق مقام من ابتلي بمثل هذه المعضلات دفعة واحدة فصبر وشكر؟.
ويعضد ما قلناه في علوّ مقامها في ذلك الحال قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) ، إلى قوله : (بِغَيْرِ حِسابٍ) [آل عمران : ٣ / ٣٧].
وذلك أنّ زكريا عليهالسلام كان يجد عندها تلك الفواكه المذكورة في غير أوانها فيقول : (أَنَّى لَكِ هذا) يعني بأيّ عمل بلغت هذا المقام؟ كان عليهالسلام يستعظم ذلك المقام في حقّها لغرارتها وضعفها ، فتقول هي : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [آل عمران : ٣ / ٣٧].
أي ليس ذلك مقاما بلغته بكبير عمل ، وإنّما هو من فضل الله تعالى ، فكأنّ ما تشير إليه : أنتم عظماء! لكم المقامات والأحوال ، وأنا ضئيلة ضعيفة! فأنتم ترزقون بسبب وأنا بغير سبب!.
ففي قول زكريا عليهالسلام : (أَنَّى لَكِ هذا) دليل على ضعف مقامها في الغرفة (٢). فإنّ المقامات عند القوم مرتبطة بعلوم مخصوصة وأعمال مخصوصة ، وكذلك الأحوال والكرامات أيضا هبة من الله تعالى لهم على قدر مقاماتهم.
__________________
(١) كلمة لم تنضّح ، ورجّحت ما أثبت بمقتضى السّياق.
(٢) أي مقامها الّذي كانت تتعبّد فيه ، وكان غرفة ، وهي المشار إليها في قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) والمحراب : الغرفة.