النّبي من الأولياء قد يصحّ منه ذلك ، وقد يصدر من أهل الرّياء من الأعمال والقرائن مثل ذلك (٢).
فإن قيل : فإذا لم تصحّ النّبوّة من هذه الوجوه فمن أين تصحّ؟
قلنا : تصحّ من وجهين : أحدهما أن يأتي النبيّ في زمان تصحّ فيه النبوّة فيدّعي النّبوة ويتحدّى الناس بالمعجزة فيفعلها الله له على وفق دعواه.
أو ينصّ على نبوّته نبيّ آخر نصّا متواترا لا يحتمل التّأويل ، كما نص الله تعالى في محكم كتابه على الستّة والعشرين الذين أوّلهم آدم وآخرهم محمّد عليهم الصّلاة والسّلام ، فهؤلاء هم الأنبياء الّذين من أنكر نبوّة واحد منهم أو قدح فيها قدحا يخلّ بشرط من شروط نبوّتهم فهو كافر ، حلال الدّم والمال ، مخلّد في نار جهنم بالإجماع المتواتر ، فهؤلاء هم الأنبياء حقّا ومن أثبت نبوّة غيرهم على التّعيين فعليه الدّليل ، مع أنّا نعلم أنّ ثمّ أنبياء لله أخر جاء بهم القرآن في قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [غافر : ٤٠ / ٧٨] لكن لم يقع التّنصيص في الكتاب إلاّ على نبوّة عدد من ذكرناه. فأمّا من ذكر منهم في أخبار الآحاد فمظنون.
فصل
فإن قيل : ولعلّ نبوتهم تثبت من الكتاب في قوله تعالى حين عدّد الأنبياء عليهمالسلام قال : (وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) [البقرة : ٢ / ١٣٦] ، و [آل عمران : ٣ / ٨٤] ، و [النساء : ٤ / ١٦٣].
__________________
(٢) ذكر القشيري في ترجمة أبي يزيد البسطاميّ قوله : «لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغترّوا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة» الرسالة القشيرية ٣٩٧.
ـ وانظر كتاب الفصل في الملل والأهواء والنّحل ٣ / ١١٩ في تسفيهه القول باكتساب النبوّة وزعم من زعم أنّ من بلغ الغاية من الصّلاح وطهارة النفس أدركها!.