تعالى له : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [هود : ١١ / ٣٧] وهو من الذين ظلموا؟.
فالجواب : أنّ نوحا عليهالسلام حين ركب السّفينة وأدخل فيها المؤمنين وأهله كما أمر ، رأى ولده في جهة من خارج السّفينة وبمقربة منها حيث يسمع النّداء ، ولم ير امرأته ، فيئس من سلامتها ، وظنّ أنها هي المستثناة وحدها وأنّها هي التي سبق عليها القول من الله تعالى بختم الكفر والعذاب ، فقط ، وطمع في إيمان ولده الذي كان عهد منه قبل ذلك ، وكان ولده يظهر له الإيمان ويبطن الكفر. والأنبياء عليهمالسلام إنما عنوا بالظّواهر والله يتولّى السّرائر ، فلما لم ير امرأته يئس من سلامتها ، ولمّا رأى ولده بمقربة من السّفينة حيث يسمع النّداء طمع في سلامته وحسّن الظّنّ أنّه مؤمن ، فقال : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) [هود : ١١ / ٤٢] يعني في السّفينة (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) [هود : ١١ / ٤٣] أي لا تبق في الأرض فتهلك مع الكفرة. [و] في قوله له : (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) دليل على أنّه كان يعتقد إيمانه. فلمّا قال له : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) حسّن أيضا به الظّنّ بأنّه كان يعتقد أنّ ما أخبر به أبوه من هلاك الكفرة صحيح ، وأنّ المؤمن يسلم بإيمانه ، فظنّ هو أنّه يسلم في السّفينة وغيرها ، فقال له أبوه : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : ١١ / ٤٣] ، يعني من مراد الله هلاك الكفرة. (إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) [هود : ١١ / ٤٣] يعني من رحمهالله فسلم بإيمانه. ولم يقل : إلاّ من ركب السّفينة. فاحتمل القول جواز سلامة المؤمن في السّفينة وغيرها. فلم يقع من الولد تكذيب ظاهر لأبيه في هذه المراجعة مع هذه الاحتمالات. ثم (حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) [هود : ١١ / ٤٥] في الحين ، فظنّ نوح عليهالسلام أنّه قد كان يدخل معه السّفينة لو لا ما حال بينهما الموج. فلمّا حال بينهما الموج لم يدر ما صنع الله به وبقي مستريبا في إيمانه ، فقال بعد ذلك : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ، يعني في النّسب وظاهر إيمانه (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) في سلامة أهلي بإيمانهم (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ). إن كان الحكم هنا من الحكمة التي هي العلّة فمعناه : أنت