فإن قيل : فما موضع الجار والمجرور في قولهم : «أحسن بزيد»؟ قيل :موضعه الرّفع ؛ لأنّه فاعل «أحسن» لأنّه لمّا كان فعلا ، والفعل لا بدّ له من فاعل ، جعل الجار والمجرور في موضع رفع ؛ لأنّه فاعل ، قال الله تعالى :(وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً)(١) أي : وكفى الله وليا ، وكفى الله نصيرا / والباء زائدة / (٢) ؛ فكذلك ـ ههنا ـ الباء زائدة ؛ لأنّ الأصل في : «أحسن بزيد : أحسن زيد» أي : صار ذا حسن ، ثمّ نقل إلى لفظ الأمر ، وزيدت الباء عليه.
فإن قيل : فلم زيدت الباء / عليه / (٣)؟ قيل : لوجهين ؛ أحدهما : أنّه لمّا كان لفظ فعل التّعجّب لفظ الأمر ، فزادوا الباء فرقا بين لفظ الأمر الذي للتّعجّب ، وبين لفظ الأمر الذي لا يراد به التّعجّب.
والوجه الثّاني : أنّه لمّا كان معنى الكلام «يا حسن اثبت بزيد» أدخلوا الباء ؛ لأنّ «أثبت» يتعدّى بحرف الجرّ ؛ فلذلك ، أدخلوا الباء. وقد ذهب بعض النّحويّين إلى أنّ الجارّ والمجرور في موضع النّصب ؛ لأنّه يقدّر في الفعل ضميرا هو (٤) الفاعل ، كما يقدّر في : «ما أحسن زيدا» وإذا قدّر ـ ههنا ـ في الفعل ضمير ، هو الفاعل ، وقع الجارّ والمجرور في موضع المفعول ، فكانا في موضع نصب ، والذي اتّفق عليه أكثر النّحويّين هو الأوّل ، وكان الأوّل هو الأولى (٥) ؛ لأنّ الكلام إذا كان مستقلا بنفسه من غير إضمار ، كان أولى ممّا يفتقر إلى إضمار ، ثم حمل : «أحسن بزيد» على : «ما أحسن زيدا» في تقدير الإضمار لا يستقيم ؛ لأنّ «أحسن» إنّما أضمر فيه لتقدّم «ما» عليه ؛ لأنّ «ما» مبتدأ ، و «أحسن» خبره ، ولا بدّ فيه من ضمير يرجع إلى المبتدأ ، بخلاف : «أحسن بزيد» فإنّه لم يتقدّمه ما يوجب تقدير الضّمير ، فبان الفرق بينهما ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) س : ٤ (النّساء ، ن ٤٥ ، مد).
(٢) سقطت من (س).
(٣) سقطت من (س).
(٤) في (س) وهو.
(٥) في (س) الأوّل أولى.