الباب الثّامن عشر
باب ما
[علّة إعمال ما الحجازيّة]
إن قال قائل : لم عملت «ما» في لغة أهل الحجاز ، فرفعت الاسم ، ونصبت الخبر؟ قيل : لأنّ «ما» أشبهت «ليس» ووجه الشّبه بينهما من وجهين ؛
أحدهما : أنّ «ما» تنفي الحال ، كما أنّ «ليس» تنفي الحال.
والوجه الثّاني : أنّ «ما» تدخل على المبتدأ والخبر ، كما أنّ «ليس» تدخل على المبتدأ والخبر ؛ ويقوّي هذه المشابهة بينهما دخول الباء في خبرها ، كما تدخل في خبر «ليس» (فإذا ثبت أنّها أشبهت «ليس») (١) فوجب أن تعمل عملها ، فترفع الاسم ، وتنصب الخبر ، وهي لغة القرآن ؛ قال الله تعالى : (ما هذا بَشَراً)(٢) ، وذهب الكوفيّون إلى أن الخبر منصوب بحذف حرف الجرّ ، وهذا فاسد ؛ لأنّ حذف حرف الجرّ ، لا يوجب النّصب ؛ لأنّه لو كان حذف حرف الجرّ ، يوجب النّصب ؛ لكان ينبغي أن يكون ذلك في كلّ موضع ، ولا خلاف أنّ كثيرا من الأسماء يحذف منها حرف الجرّ ولا تنتصب (٣) بحذفه ؛ كقوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً)(٤) ، ولو حذف حرف الجرّ ؛ لكان : وكفى الله وليّا ، وكفى الله نصيرا / بالرّفع / (٥) كقول الشّاعر (٦) : [الطّويل]
عميرة ودّع إن تجهّزت غاديا |
|
كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا |
__________________
(١) سقطت من (س).
(٢) س : ١٢ (يوسف ، ن : ٣١ ، مك).
(٣) في (ط) ينتصب.
(٤) س : ٤ (النّساء ، ن : ٤٥ ، مد).
(٥) سقطت من (س).
(٦) الشّاعر هو : سحيم عبد بني الحسحاس كان عبدا نوبيّا ، فاشتراه بنو الحسحاس ، فنشأ فيهم ، رآه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وكان يعجب بشعره ، قتله سيّده ، وقيل بنو الحسحاس ؛ لتشبيبه بنسائهم سنة ٤٠ ه.
موطن الشّاهد : (كفى الشّيب).
وجه الاستشهاد : سقوط الباء من فاعل «كفى» فدلّ ذلك على أنّ هذه الباء ، ليست واجبة الدّخول على فاعل هذا الفعل.