[علّة وجوب تقديم منصوب الأحرف المشبّهة على مرفوعها]
فإن قيل : فلم وجب تقديم المنصوب على المرفوع؟ قيل لوجهين :
أحدهما : أنّ هذه الحروف ، تشبه الفعل لفظا ومعنى ؛ فلو قدّم المرفوع على المنصوب ، لم يعلم هل هي حروف ، أو أفعال؟
فإن قيل : الأفعال تتصرّف ، والحروف لا تتصرّف ، قيل : عدم التّصرّف ، لا يدلّ على أنّها حروف ؛ لأنّه قد يوجد أفعال لا تتصرّف ؛ وهي : نعم ، وبئس ، وعسى ، وليس ، وفعل التّعجّب ، وحبّذا ، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى الالتباس بالأفعال ، وجب تقديم المنصوب على المرفوع رفعا لهذا الالتباس.
والوجه الثّاني : أنّ هذه الحروف لمّا أشبهت الفعل الحقيقيّ لفظا ومعنى ، حملت عليه في العمل ، فكانت فرعا عليه في العمل ، وتقديم (١) المنصوب على المرفوع فرع ؛ فألزموا الفرع الفرع ، وتخرّج على هذا «ما» فإنّها ما أشبهت الفعل من جهة اللّفظ ، وإنّما أشبهته من جهة المعنى ، ثمّ الفعل الذي أشبهته ليس فعلا حقيقيّا ، وفي فعليّته خلاف ، بخلاف هذه الحروف ، فإنّها أشبهت الفعل الحقيقيّ من جهة اللّفظ والمعنى من الخمسة الأوجه التي بيّنّاها ، فبان الفرق بينهما. وقد ذهب الكوفيّون إلى أنّ «إنّ» وأخواتها / إنّما / (٢) تنصب الاسم ، ولا ترفع الخبر وإنّما الخبر يرتفع بما كان يرتفع به قبل دخولها ؛ لأنّها فرع على الفعل في العمل ، فلا تعمل عمله ؛ لأنّ الفرع ـ أبدا ـ أضعف من الأصل ، فينبغي ألّا تعمل في الخبر ؛ وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ كونه فرعا على الفعل في العمل ، لا يوجب ألّا يعمل عمله ، فإنّ اسم الفاعل فرع على الفعل في العمل ، ويعمل عمله ، على أنّا قد عملنا بمقتضى كونه فرعا ، فإنّا ألزمناه طريقة واحدة ، وأوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع ، ولم نجوّز فيه الوجهين ، كما جاز ذلك مع الفعل ؛ لئلّا (٣) يجري مجرى الأصل ، فلمّا أوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع ، بان ضعف هذه الحروف (عن رتبة الفعل) (٤) ، وانحطاطها عن رتبة الفعل ؛ فوقع الفرق بين الفرع والأصل ؛ ثمّ لو كان الأمر كما زعموا ، وأنّه باق على رفعه ؛ لكان الاسم المبتدأ أولى بذلك ، فلمّا وجب نصب المبتدأ بها ؛ وجب رفع
__________________
(١) في (س) وتقدم.
(٢) سقطت من (ط).
(٣) في (س) لكيلا.
(٤) سقطت من (س).