الباب التّاسع والعشرون
باب الاستثناء
[معنى الاستثناء]
إن قال قائل : ما الاستثناء؟ قيل : إخراج بعض من كلّ بمعنى «إلّا» نحو : «جاءني القوم إلّا زيدا».
[العامل في المستثنى الموجب النّصب]
فإن قيل : فما العامل في المستثنى من الموجب النّصب؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّ العامل هو الفعل بتوسّط «إلّا» ، وذلك ؛ لأنّ هذا الفعل ، وإن كان لازما في الأصل ، إلّا أنّه قوي ب «إلّا» فتعدّى إلى المستثنى ، كما تعدّى الفعل بالحروف المعدّية ؛ ونظيره نصبهم الاسم في باب المفعول معه ؛ نحو : «استوى الماء والخشبة» فإنّ الاسم منصوب بالفعل المتقدّم بتقوية الواو ؛ فكذلك ههنا. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ العامل هو «إلّا» بمعنى «أستثني» وهو قول الزّجّاج من البصريّين. وذهب الفرّاء من الكوفيّين إلى أنّ «إلّا» مركّبة من «إنّ ولا» ثمّ خفّفت «إنّ» وأدغمت في «لا» فهي تنصب في الإيجاب اعتبارا ب «إنّ» وترفع في النّفي اعتبارا ب «لا» ؛ والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون (١) ، وأمّا قول بعض النّحويّين والزّجّاج : إنّ العامل هو «إلّا» بمعنى «أستثني» ، ففاسد من خمسة أوجه :
الوجه الأوّل : أنّه لو كان الأمر كما زعموا ؛ لوجب ألّا يجوز في المستثنى إلّا النّصب ، ولا خلاف في جواز الرّفع والجرّ في النّفي على البدل في قولك (٢) : «ما جاءني أحد إلّا زيد ، وما مررت بأحد إلّا زيد».
والوجه الثّاني : أنّ هذا يؤدّي إلى إعمال معاني الحروف ، وإعمال معاني
__________________
(١) في (س) والصّحيح قول البصريّين.
(٢) في (س) نحو.