أعملنا الفعل بتقوية «إلّا» كان الكلام جملة واحدة ، والكلام متى كان جملة واحدة ، كان أولى من تقدير جملتين.
وأمّا قول الفرّاء / إنّ / (١) «إلّا» مركّبة من «إنّ ولا» فدعوى تفتقر إلى دليل ، ولو قدّرنا ذلك ، فنقول : الحرف إذا ركّب مع حرف آخر تغيّر عمّا كان عليه في الأصل قبل التّركيب ، ألا ترى أنّ «لو» حرف يمتنع به (٢) الشّيء ؛ لامتناع غيره ، فإذا ركّب (٣) مع «ما» تغيّر ذلك المعنى ، وصارت بمعنى «هلّا» ؛ وكذلك ـ أيضا ـ إذا ركّبت مع «لا» ؛ كقوله (٤) : «لو لا الكميّ المقنّعا» (٥) ، وما أشبه ذلك ؛ فكذلك ههنا.
[ارتفاع المستثنى في النّفي]
فإن قيل : فبماذا يرتفع. المستثنى في النّفي؟ قيل : يرتفع على البدل ، ويجوز النّصب على أصل الباب.
فإن قيل : فلم كان البدل أولى؟ قيل : لوجهين :
أحدهما : الموافقة للّفظ ، فإنّه إذا كان المعنى واحدا / فكون / (٦) اللّفظ موافقا أولى ؛ لأنّ اختلاف اللّفظ يشعر باختلاف المعنى ، وإذا اتّفقا ، كان موافقة اللّفظ أولى.
والوجه الثّاني : أنّ البدل يجري في تعلّق العامل به كمجراه لو ولي العامل ، والنّصب في الاستثناء على التّشبيه بالمفعول ، فلمّا كان البدل أقوى في حكم العامل ، كان الرّفع أولى من النّصب على ما بيّنّا.
__________________
(١) سقطت من (ط).
(٢) في (س) له.
(٣) في (س) وإذا.
(٤) القائل : جرير بن عطيّة ، وقد مرّت ترجمته.
(٥) تتمّة البيت : [الطّويل]
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم |
|
بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا |
المفردات الغريبة : النّيب : جمع ناب وهي المسنّة من الإبل ، وقد كبر نابها. الضّوطرى : الحمقاء. الكميّ : الشّجاع. المقنّع : الذي عليه مغفر وبيضة وهو مستعدّ للحرب.
والمعنى : تفخرون بعقر النّوق ، وما الفخر إلّا بمنازلة الأبطال في ساحات القتال.
موطن الشّاهد : (لو لا الكميّ).
وجه الاستشهاد : دخول «لولا» التّحضيضيّة على الاسم ، وهي مختصّة بالفعل ، فجعل «الكميّ» مفعولا به لفعل محذوف ؛ لأنّ التّقدير : لو لا عددتم الكميّ المقنّعا.
(٦) سقطت من (س) وفي (ط) فيكون ، وما أثبتناه من نسخة أخرى.