كذلك ، فإنّه (١) لو كان الأمر كما زعمتم ؛ لوجب أن يختصّ الحذف بما يكثر استعماله ، دون ما لا يكثر استعماله ؛ فلمّا قيل : «اقعنسس (٢) ، واحرنجم (٣) ، واعلوطّ» (٤) وما أشبه ذلك بالحذف ، ولا يكثر استعماله ؛ دلّ على فساد ما ذهبوا إليه. فقولهم : إنّ فعل النّهي معرب مجزوم ، فكذلك فعل الأمر ؛ قلنا : هذا / قياس / (٥) فاسد ؛ لأنّ فعل النّهي في أوّله حرف المضارعة الذي أوجب المشابهة بالاسم ، فاستحقّ الإعراب ، فكان معربا ، وأمّا فعل الأمر ، فليس في أوّله حرف المضارعة الذي يوجب للفعل المشابهة بالاسم ، فيستحقّ الإعراب ؛ فكان باقيا على أصله. وقولهم : إنّه بحذف الواو والياء والألف ؛ نحو : اغز ، ارم ، اخش» كما تقول : «لم يغز لم يرم ، لم يخش» ، فنقول : إنّما حذفت هذه الأحرف للبناء ، لا للإعراب ، حملا للفعل المعتلّ على الفعل الصّحيح ؛ حملا للفرع على الأصل ، والذي يدلّ على ... (٦) صحّة ما ذكرناه أنّ حروف الجرّ لا تعمل / مع الحذف / (٧) ؛ فحروف الجزم أولى ، وأمّا البيت الذي أنشدوه ؛ (وهو قوله) (٨) :
محمد تفد نفسك كلّ نفس
فقد أنكره أبو العبّاس المبرّد ، ولو سلّمنا صحّته ؛ فنقول : قوله : «تفد نفسك / كلّ نفس / (٩)» لم تحذف الياء للجزم بلام مقدّرة ، وإنّما حذفت الياء للضّرورة ، اجتزاء بالكسرة عن الياء ، وهو في كلامهم أكثر من أن يحصى ، وإن سلّمنا أنّ الأصل : «لتفد» وأنّه مجزوم بلام مقدّرة ، إلّا (١٠) أنّا نقول : إنّما حذفت اللّام لضرورة الشّعر ، وما حذف للضّرورة ، لا يجوز أن يجعل (١١) أصلا
__________________
(١) في (ط) وإنّه.
(٢) اقعنسس : تأخّر ، ورجع إلى الخلف. القاموس المحيط : (مادة قعس) ص ٥١٠.
(٣) احرنجم : في القاموس : حرجم الإبل : إذا ردّ بعضها على بعض ، واحرنجم : أراد الأمر ، ثمّ رجع عنه. القاموس المحيط : (مادة حرجم) ، ص ٩٨٦.
(٤) اعلوطّ : في القاموس : اعلوطّ البعير : تعلّق بعنقه ، وعلاه ، أو ركبه بلا خطام أو عريا.
واعلوطّ فلانا : أخذه ، وحبسه ، ولزمه. واعلوطّ الأمر : ركب رأسه ، وتقحّم من دون رويّة. القاموس المحيط : (مادة علط) ص ٦١٠ ـ ٦١١.
(٥) سقطت من (ط).
(٦) في (ط) زيادة ذلك ، ولا مبّرر لها ، فلم نثبتها في المتن.
(٧) سقطت من (س).
(٨) سبق ذكره ، والتّعليق عليه.
(٩) سقطت من (س).
(١٠) في (ط) غير.
(١١) في (ط) تجعل ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).