أحدهما : إنّما أبدلوا من التّنوين ألفا في حال النّصب ؛ لخفّة الفتحة ، بخلاف الرّفع والجرّ ، فإنّ الضّمّة والكسرة ثقيلتان.
والوجه الثّاني : أنّهم لو أبدلوا من التّنوين واوا في حالة الرّفع ؛ لكان ذلك يؤدّي إلى أن يكون اسم متمكّن في آخره واو قبلها ضمّة ، وليس في كلام العرب اسم متمكّن في آخره واو قبلها ضمّة. ولو أبدلوا من التّنوين ياء في حالة الجرّ ؛ لكان ذلك يؤدّي إلى أن تلتبس بياء المتكلّم ؛ فلذلك لم يبدلوا منه ياء ؛ على أنّه من العرب من يبدل في حالة الرّفع واوا ، وفي حالة الجرّ ياء ؛ ومنهم من لا يبدل في حالة النّصب ألفا ، كما لا يبدل في حالة الرّفع واوا ، ولا في حالة الجرّ ياء ؛ وهي لغة قليلة ؛ وأجود اللّغات الإبدال في حال النّصب ، وترك الإبدال في حال الرّفع والجرّ على ما بيّنّا.
وأمّا الإشمام : فالمراد به أن تبيّن أنّ لهذه الكلمة أصل (١) حركة في حال الوصل ، وكذلك «الرّوم والتّشديد».
[علّة عدم جواز الإشمام في حال الجرّ]
فإن قيل : فلم لم يجز الإشمام في حال الجرّ؟ قيل : لأنّه يؤدّي إلى تشويه الحلق.
وأمّا الإتباع : فلأنّه لمّا وجب التّحريك ؛ لالتقاء السّاكنين ، اختاروا / لها / (٢) الضّمّة في حالة الرّفع ؛ لأنّها الحركة التي كانت في حالة الوصل ، وكانت أولى من غيرها ؛ قال الشّاعر (٣) : [الرّجز]
أنا ابن ماويّة إذ جدّ النّقر |
|
[وجاءت الخيل أثابيّ زمر](٤) |
__________________
(١) في (س) حال.
(٢) سقطت من (س).
(٣) نسب هذا الرّجز إلى غير واحد من الشّعراء ؛ منهم : عبد الله بن ماويّة الطّائيّ ، وماويّة اسم أمّه ؛ ونسبه الصّاغاني إلى فدكي بن عبد الله المنقريّ ، ونسبه سيبويه إلى بعض السّعديّين من دون تحديد.
(٤) المفردات الغريبة : النّقر : صوت يسكن به الفرس عند احتمائه وشدّة حركته.
أثابيّ : جماعات ، جمع «أثبيّة».
موطن الشّاهد : (النّقر).
وجه الاستشهاد : نقل الشّاعر حركة الرّاء إلى القاف في الوقف على لغة بعض العرب ؛ لأنّ الأصل فيه : النّقر ؛ وهذا النّقل يسمّى إتباعا.