الباب الثّالث
باب المعرب والمبني
إن قال قائل : ما المعرب والمبنيّ؟ قيل : أمّا المعرب ، فهو ما تغيّر آخره بتغيّر العامل فيه لفظا ، أو محلّلا ؛ وهو على ضربين ؛ اسم متمكّن ، وفعل مضارع ؛ فالاسم المتمكّن : ما لم يشابه الحرف ، ولم يتضمّن معناه ، والفعل المضارع : ما كانت في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ، وهي : الهمزة ، والنّون ، والتّاء ، والياء. فإن قيل : لم زيدت هذه الحروف دون غيرها؟ قيل : الأصل أن تزاد حروف المدّ واللّين ، وهي الواو والياء والألف ، إلّا أنّ الألف لمّا لم يمكن زيادتها أوّلا ؛ لأنّ الألف لا تكون إلّا ساكنة ؛ والابتداء بالسّاكن محال ، أبدلوا منها الهمزة ؛ لقرب مخرجيهما ؛ لأنّهما هوائيّان يخرجان من أقصى الحلق ، وكذلك الواو ـ أيضا ـ لمّا لم يمكن زيادتها أوّلا ؛ لأنّه ليس في كلام العرب واو ؛ زيدت أوّلا ، فأبدلوا منها التّاء ؛ لأنّها تبدل منها كثيرا ، ألا ترى أنّهم قالوا : تراث ، وتجاه ، وتخمة ، وتهمة ، وتيقور (١) ، وتولج ؛ قال الشّاعر (٢) : [الرّجز]
متّخذا في ضعوات تولجا |
|
[أردى بني مجاشع وما نجا](٣) |
وهو بيت الصّائد ، والأصل : وارث ، ووجاه ، ووخمة ، ووهمة ، وويقور ؛ لأنّه من الوقار ، وولج ؛ لأنّه من الولوج ؛ فأبدلوا التّاء من الواو في هذه المواضع كلّها ، وكذلك ههنا. وأمّا الياء ، فزيدت ؛ لأنّها لم يعرض فيها ما
__________________
(١) تيقور : (فيعول) الوقار ؛ والتّاء فيه مبدلة من الواو.
(٢) الشّاعر : هو جرير بن عطيّة الخطفيّ ، ثالث أشهر أشعراء العصر الأمويّ ، مع الفرزدق والأخطل ، وكان أشدّهما هجاء ، وأكثر منهما عفّة ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١١٠ ه.
(٣) البيت من قصيدة يهجو فيها البعيث المجاشعيّ.
المفردات الغريبة : ضعوات : جمع ضعة ، وهي شجرة من شجر البادية. والتّولج : في شرح ديوان جرير : التّولج والدّولج : ما انكرس فيه ؛ أي : دخل. شرح ديوان جرير.
موطن الشّاهد : «تولج» وجه الاستشهاد : إبدال التّاء من الواو في تولج ؛ لأنّ تولج : ولج ؛ لأنّها من الولوج ؛ أي الدّخول.