[عامل الرّفع واختلاف النّحاة فيه]
وأمّا عامل الرّفع ، فاختلف فيه النّحويّون ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه يرتفع لقيامه مقام الاسم ؛ وهو عامل معنويّ لا لفظيّ ، فأشبه الابتداء ، فكما أنّ الابتداء يوجب الرّفع ، فكذلك ما أشبهه. فإن قيل : هذا ينقض بالفعل الماضي ، فإنّه يقوم مقام الاسم ، ولا يرتفع ؛ قيل : إنّما لم يرتفع ؛ لأنّه لم يثبت له استحقاق جملة الإعراب ، فلم يكن هذا العامل موجبا له الرّفع ؛ لأنّه نوع منه ؛ بخلاف الفعل المضارع ؛ فإنّه يستحقّ جملة الإعراب للمشابهة التي ذكرناها قبل ، فبان الفرق بينهما. وأمّا الكوفيّون (١) فذهبوا إلى أنّه يرتفع بالزّوائد التي في أوّله ؛ وهو قول الكسائي (٢) ، وذهب الفرّاء (٣) إلى أنّه يرتفع لسلامته من العوامل النّاصبة والجازمة ؛ فأمّا قول الكسائيّ فظاهر الفساد ؛ لأنّه لو كان الزّائد / في أوّله / (٤) هو الموجب للرّفع ؛ لوجب ألّا يجوز نصب الفعل ، ولا جزمه ، مع وجوده ؛ لأنّ عامل النّصب والجزم ، لا يدخل على عامل الرّفع ، فلمّا وجب نصبه بدخول النّواصب ، وجزمه بدخول الجوازم ؛ دلّ على أنّ الزّائد ليس هو العامل. وأمّا قول الفرّاء ، فلا ينفكّ من ضعف ، وذلك ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن يكون النّصب والجزم قبل الرّفع ؛ لأنّه قال : لسلامته من العوامل النّاصبة والجازمة ؛ والرّفع قبل النّصب والجزم ؛ فلهذا ، كان هذا القول ضعيفا. وأمّا عوامل النّصب ؛ فنحو : أن ، ولن ، وكي ، وإذن ، وحتّى. وأمّا عوامل الجزم ؛ فنحو ؛ لم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا في
__________________
(١) ذهب الفرّاء وأكثر الكوفيّين إلى أنّ الرّافع للفعل هو تجرّده من النّاصب والجازم ، وقد أخذ بهذا الرّأي ابن هشام الأنصاريّ من المتأخّرين. وأمّا البصريّون فقالوا : يرتفع لوقوعه موقع الاسم ؛ وما ذهب إليه الفرّاء والكوفيّون ومن تابعهم من المتأخّرين هو الصّواب.
(٢) الكسائي : هو عليّ بن حمزة الأسديّ الكوفيّ ؛ مولده بالكوفة ، وسكنه ببغداد ، ووفاته بالرّيّ ، وهو مؤدّب الرّشيد ، وابنه الأمين. وهو أحد القرّاء السّبعة ، وأحد أشهر أئمة اللّغة والنّحو. مات سنة ١٨٩ ه البلغة في تاريخ أئمّة اللّغة ١٥٦ ـ ١٥٧.
(٣) الفرّاء : هو يحيى بن زياد الأسلميّ الدّيلميّ ، المعروف بالفرّاء ، إمام نحاة الكوفة وأعلمهم في اللّغة ، وفنون الأدب. قال فيه ثعلب : «لو لا الفرّاء ما كانت اللّغة». مات سنة ٢٠٧ ه. بغية الوعاة ٢ / ٣٣٣.
(٤) سقطت من (ط).