على تبريز دار الملك ، وكانت آنئذ أشبه بالجنة فأغاروا عليها ، قتلوا منها نحو عشرة آلاف من النفوس وفعلوا فعلات قاسية فأسروا أولاد المسلمين وذهبوا بهم إلى أقصى تركستان ولم يقصروا في هتك الأعراض ، وقتل الأبرياء ، وفعل الفساد ... فكانت هذه مقدمة الشرور ، وأول الآلام والرزايا على العباد والبلاد ... إذ تبعتها وقائع تيمور وأعوانه ... ولم يجد في القوم من يذب عن البلاد ...
وذلك أن وقعة تختاميش (توقتامش) لم يمض عليها تسعة أشهر (في سنة ٧٨٨ ه) إلا وظهرت في حدودها طامة كبرى ، وداهية عظمى ، جاء الأمير تيمور في جيش بلغت عدته ثلثمائة ألف فوصل همذان ، وهاجم تبريز على عجل فانهزم السلطان أحمد إلى بغداد فوصل الجغتاي والتتار أذربيجان فاستباحوها مدة ٤٠ يوما وقضوا على البقية الباقية من الحرب السابقة فكانت هذه الوقعة أشد قسوة ، وأبلغ في انتهاك الحرمات ، والمصادرات الشنيعة والمظالم الأليمة ... فلم يدعوا منكرا إلا فعلوه ، ولا فجورا إلا أتوه ، برزوا بمظهر أكبر ، وشناعة لا يستطيع القلم وصفها ...
ولم تقف الحوادث عند هذا الحد ففي ٢٠ شوال من سنة ٧٩٥ جاء البلاء ، وعمت المصيبة بغداد بهجوم جيش الأمير تيمور ، وذلك أن إيران أصابها سيل جارف من المغول والتتار فخرب بلادها وقلب ممالكها فقضى على ممالك فارس وكرمان وخوزستان ومازندران وأصفهان ، وهذه الويلات من تخريب ودمار مما لا يسع القول ذكرها لطولها ... وقصد همذان دار الملك فاكتسحها ومن ثم مال إلى بغداد.
وصلوا بغداد ، ولم يدعوا رطبا ولا يابسا إلا قضوا عليه فأهلكوا الحرث والنسل ، وأهلكوا المسلمين وأسروا من أبقوا عليه ، ونهبوا الأموال ... فهم في الحقيقة كما جاء في الآية : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ