بغداد) (١) والمتميزين من الينگچرية فألف ديوانا عاما. فاتحهم فيه بما يجب عمله من التدابير ومن ثم استقر الرأي على أن لا يفسح المجال لهؤلاء البغاة أن يدخلوا المدينة وأن لا يعفى عنهم ما لم يسلموا العصاة القائمين بالفتنة والشغب.
كانت هذه الموافقة من أهل الديوان ظاهرية وعلى دخل. حسنوا هذا الرأي إلا أن القلوب الزائغة كانت على خلاف هذا. فاتخذوا هذا المنع وسيلة لإظهار مكنونات سرّهم. ولما طال المنع يومين أو ثلاثة اتخذ ذلك وسيلة للشغب فأغروا بعض الجهال وجمعوا الينگچرية فأشعلوا نيران الفتنة ليلا ، وصاروا يطرقون الأبواب ويتجمهرون في كل منعرج طريق. جمعوا لهم جمعا كبيرا. وفي الصباح فتحوا الأبواب. وظاهروا الممنوعين ، وأدخلوا جيش بغداد إلى المدينة. هاجموا البلدة من كل صوب فأحدثوا ضجة واتفقوا على أن يفعلوا ما عزموا عليه من فضائح.
وحينئذ هاجموا السراي بحجة أنهم يبغون الشيخ بندرا والروزنامة چي ، وأمين المخزن. طلبوا تسليم هؤلاء فهاجموا الوزير ، فلم تبد منه مخالفة. انتهبوا كل ما وجدوه في طريقهم. وبعد رجوعهم ظفروا بأمين المخزن فقتلوه ومثلوا به.
وفي اليوم الآخر انذروا الوالي أن يسلم إليهم الباقين وهددوه فحلف لهم بالأيمان المغلظة بأنه لم يكن لديه واحد منهم وعين إكرامية لمن يظفر بواحد منهم فصاروا يتحرون عن المرقومين فظفروا بالروزنامة چي وحين كان مؤذن الجمعة ينادي للصلاة قتلوه ولم يرعوا حرمة الأذان وعاثوا بالمدينة.
__________________
(١) يطلق على آغا الينگچرية. وباب الآغا المحل الذي كان يتولى الادارة فيه. ولا تزال المحلة معروفة بمحلة باب الآغا.