وأول ما قاموا به أن حذر أحمد آغا القائممقام من النتائج الوخيمة فيما لو أهمل التدبير. فأذن له أن يتولى ذلك وكان أمينا منه ، بل رأى ذلك حسن تدبير منه. ولذا جمّع هذا جمعا كبيرا من أعوانه ورجاله من الصنوف العسكرية الذين اعتمد عليهم وشحن بهم القلعة وأحكم ضبطها وغلق أبواب السور وقطع الجسر وشاغب بجماعته في الميدان فأفشى مكنون سره وأوعز إلى جماعة أن يقوموا بما يلزم لتوليد الاضطراب فقاموا وضجوا في البلد.
وتحقيقا لإيقاد نار الفتنة ضرب السراي بالقنابل فكان دويّ المدافع أحدث ولولة في الناس أكثر فاحتشدت الجموع في الطرق والأزقة والشوارع وصارت الحالة منذرة بالخطر ، فلا تسمع سوى نداء الناس (النفير! النفير! ، والبدار! البدار).
ولما اطلّع الباشا على حقيقة الوقعة وأن القائم بها أحمد آغا أرسل إليه من هو بمثابة وكيل الكتخدا أعني خالد آغا فتكلم معه وسأله عن سبب قيامه بعد العهد فحاول إرجاعه عن رأيه فكان ذلك عبثا.
وحينئذ اتخذ الباشا المتاريس للمقاومة والدفاع إذ لم ير أملا في المفاوضة وانقطع حبل رجائه. وفي كل هذا لم تظهر نوايا سليم بك. ولهذا اتخذ متاريس قرب مرقد (گنج عثمان) وقرب جامع الوزير وقرب مرقد الشيخ أبي النجيب السهروردي بواسطة أخيه أحمد آغا. وكلها حول دار الحكومة وبقرب منها ، وزاولوا مقتضيات الحصار وحصلت المناوشات من الجانبين ، فلا تسمع غير أصوات الطلقات ودويّ المدافع. دام القتال بشدة وهول من الصبح إلى وقت العصر ، فاضطرب الأهلون كثيرا وجرى سلب ونهب وكسر دكاكين وغارة على بيوت.
كثر القتل وسفك الدماء وزاد البغي ، وحينئذ رأى الباشا أنه المقصود بالذات ، وأن الخطر سيتفاقم على الأهلين أكثر وأن الفتنة