حادثة الطاعون ما وقع سنة ١٢٥٥ ه ، فإن دجلة طغى ماؤها ، حتى تساوى من بغداد أرضها وسماؤها ، وغيرت جدران بيوتها بين ساجد وراكع ، وخاضع وخاشع ، ومبطون أضرّت به علّة الاستسقاء ، ومحموم استلقى على ظهره يتفكر في ملكوت السماء ، وباك قد استغرق بالبكاء ليله ونهاره ، وتفجرت منه العيون فتلا وإن من الحجارة ، والملائكة تتيمّم في سماها بغبار البيوت وتنادي يا أهل الأرض عزاء فبيوت العنكبوت كثير على من يموت ، والألباب أمست لفرط البلبال حيارى ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، وكم من مخدرة أراقت ماء المحيا ، وسخت بما يعزّ عليها لنجاة نفسها ولم تك وحياتك بغيّا ، وبالجملة لقد فار التنّور ، وأمست الأرجاء كالبحر المسجور ، وعادت ـ لا أطيل ـ حادثة الطوفان ، وكان والأمر لله تعالى ما كان .. وقد أشار الشاعر عبد الباقي العمري إلى بعض ذلك ببيتين شطرهما الفاضل الأديب أمين العمري المعروف بـ (الكهية) قال :
(لا تعجبوا من نهر دجلة إذ جرى) |
|
وهو الفرات كمعظم الطوفان |
وطغى على الزوراء كل منهما |
|
(حتى انتهى لحضيرة الكيلاني) |
(هو للحقيقة والطريقة بحرها) |
|
وبه نرى البحرين يلتقيان |
آوى إليه الماء معتصما به |
|
(والبحر مأوى جملة الخلجان) (١) |
والملحوظ أنه مرت بنا في (تاريخ العراق بين احتلالين) حوادث غرق كثيرة فلم تهدأ حوادثه ، ولم تقل مضاره ومصائبه في غالب السنين.
__________________
(١) الطراز المذهب في شرح قصيدة مدح الباز الأشهب. الأصل لعبد الباقي والشرح للأستاذ أبي الثناء طبعت بمصر وعندي نسخة منها بخط الأستاذ.